العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ

عندما نريد أن نفرق بين الطيب والخبيث

عمرو موّسى comments [at] alwasatnews.com

الأمل عنصر مهم في حياة الأمم، وبعث الأمل ميزة يتمتع بها أصحاب الرؤية والاستشراف من القادة والزعماء.

وحين تعيش الأمم مرحلة تراجع وأزمات وحيرة، كما هو الحال اليوم بالنسبة لأمة العرب، يصبح الجو معتما والفضاء داكنا وتمسي النفوس في حسرة. وأعود إلى ذلك اليوم من صيف العام الماضي، حيث عقد المنتدى الاقتصادي العالمي دورته الشرق أوسطية في الأردن... في البحر الميت، وحيث تحدث سمو الشيخ محمد بن راشد عن الحياة والإحياء، وأطلق مبادرته الهادفة إلى تأسيس قاعدة معرفية صلبة تنشد تمكين جيل يقود الأمة إلى آفاق التقدم ويقيها شر الانفراط. وكم شعرت بالارتياح أن تحدث أحد الزعماء العرب... أحد كبار المسئولين العرب... عن المعرفة والحاجة إليها، وأرسل الرسالة الحقة إن المعرفة قوة، فلنتبين الطريق إليها، ولنعمل على الالتحاق بها، والإمساك بأسبابها... وأنه لهذا الغرض خصص وقفية ثرية تؤسس لقواعد المعرفة، أو كما قال «لبناء بيئة معرفية وتحفيز أجيال الغد لبناء مستقبل أفضل».

لقد بلغ عدد الأميين العام 2006 في الوطن العربي في الفئة العمرية 15 عاما فأكثر، 71 مليونا من الأفراد أي حوالي ربع تعداد العرب... هذا عن الأمية الأبجدية، وأما الأمية بمعناها الأوسع فحدث ولا حرج... بل حدث مع كل الحرج. وفي هذا حديث طويل عن الموازنات الفقيرة المخصصة للتعليم، وعن ضعف برامج التعليم وعن المستويات المنخفضة لمخرجات التعليم وعن النسبة المرتفعة للأمية بين النساء، ناهيك عن وضع الجامعات في العالم العربي بين جامعات العالم بما فيها جامعات دول العالم الثالث.

أرقام كل ذلك أصبحت معروفة ونتائجها جد خطيرة. من هنا كان الاهتمام المتوازي بمبادرة إصلاح التعليم في العالم العربي التي قدمتها الأمانة العامة للجامعة العربية إلى القمة العربية فأقرتها، وبمبادرة المعرفة التي قدمتموها فكانت مصدر سعادة ومنطلق أمل أن تتزاوج القرارات بما يمكنها من التنفيذ ويساعدها على تحقيق أهداف المجتمع. وإذا كانت الأرقام في مجال التعليم تثير الكثير من التساؤلات، فالأرقام في مجال المعرفة لا تقل إثارة أو استثارة... فمعدل الإنفاق والاستثمارات في البحوث والتطوير في العالم العربي معدّل محدود يقترب من الصفر في نسبته إلى الناتج القومي... ويتصل بذلك أن أصبح مستوى الإنتاج الفكري والعلمي المترجم إلى اللغة العربية ومنها، من أقل المستويات في العالم بكل ما يعنيه ذلك من خلل في المستوى العام للمعرفة للأجيال المعاصرة والصاعدة.

وإذا انتقلت من مأساة التعليم العربي إلى المأساة الأخرى المسماة بصراع الحضارات، وجدنا انفسنا في موقف لا يسر، إذ نقف موقف المتهم من ممثلي حضارة آنية لم يكن لها من الجذور نصيب، ولكنها قفزت بالعالم إلى آفاق هائلة من العلم والتكنولوجيا تكاد تناطح بها الكواكب والنجوم. أقول نقف موقف المتهم لأننا لم نعد لمثل هذا اليوم عدته، فلا نحن تسلحنا بالعلم ولا أخذنا بأسباب المعرفة، بل لم تكن لدينا الرؤية اللازمة لأن نتطور مع الزمن ونعيش العصر ونسهم إسهام الشركاء في إقامة النظام العالمي.

واليوم على سبيل المثال يواجه العالم تحديات جديدة في مناخه وبيئته، ويتهدد بتنامي التيارات البحرية العالية، والأعاصير العاتية، مع الانهيار المتزايد لجبال الثلج في القطب الشمالي... الأمر الذي يمكن أن يدمر بلدان الشواطئ والجزر، وهو أمر ليس ببعيد عن أراضي وشواطئ وجزر العالم العربي، كما أنه ليس بعيدا زمنيا، فالحديث يجري عن عقود ثلاثة أو أقل... فأين نحن من ذلك، بل من مجرد العلم الواعي بذلك. إن التطوير والبحث والاستعداد أصبح أمرا وجوبيا علينا. هذا ينطبق على مجال البيئة المتصاعد الأهمية، كما ينطبق على ضرورة تحقيق المعرفة النووية في مجالاتها المختلفة التي ترتبط برفاهية الشعوب ونمائها علما وحياة.

ثم أننا نواجه تحديات إضافية خاصة بمنطقة الشرق الأوسط على اتساعها. نواجه تحديات في العراق وفي فلسطين وفي لبنان وفي السودان وفي الصومال. نواجه تحديات تتعلق بالوضع النووي وبالأمن الإقليمي... نواجه تحديات تتصل بمحاولات إعادة تشكيل المنطقة، لاحبا فيها ولا خوفا عليها، ولكن لتتماشى مع مخططات ماكرة وأفكار ممعنة في الأصولية الكارهة للإسلام والمسلمين وللعرب ومن يلوذ بهم.

يريدون تغيير المنطقة بتقسيمها... يريدون إعادة تشكيلها بتمزيقها... وأصبحنا نعايش نظريات مثل الفوضى الخلاقة، والشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو الأوسع وما إلى ذلك... وفعلا فقد حدث الاتساع ولكنه اتساع الخرق على الراتق، وإن لم يتسع الشرق الأوسط نفسه، إنما هاج وماج ولايزال.

نعم، إن بعض النظريات التي نعايشها ذكي وخبيث، وبعضها الآخر يصل إلى حد الفكاهة والعبث... ولكن لن نتمكن من التفريق بين الطيب والخبيث، إلا من منطلقات الوعي والفهم وحسن التقدير وهو ما لا يتأتى من دون تملك أسباب المعرفة.

إن دعم الثقافة وتوسيع قاعدة المشاركة والمشاركين فيها.

إن إعادة الاعتبار للفكر والمفكرين، وتحفيز الإبداع والمبتكرين.

إن تشجيع تبادل الإبداع الثقافي وتعزيز دور الفن والمبدعين.

إن تمتعنا بتراثنا ونجاحنا في التعريف به.

إن دعم وتطوير العلوم.

إن تحسين مستوى التعليم.

إن الارتفاع بمستوى التعليم.

إن اللحاق بالركب العالمي وبالقرن الحادي والعشرين في مختلف منطلقاته، والتعامل معه برصانة وثراء حضاري...

إن هذا كله لجدير بأن يشكل أجندة المستقبل نلتزم بها جميعا ونتعهد بإنجاحها في إطار زمني نستهدفه ونعمل على احترامه.

لقد ابتلي العالم الإسلامي كله بتيارات تكاد تجره عنوة إلى قرون مضت، بينما العالم كله يكاد يقفز قرونا إلى الأمام. فطغت الشكليات والتفاهات والترهات على فكر أصبح يحتاج إلى إعادة تشكيل، ليقوم على توازن واتزان: الحفاظ على التراث وصيانة مبادئ الدين الحنيف وقواعده، مع إعداد الفرد... إعداد الإنسان في المجتمعات الإسلامية والعربية خصوصا ليتمكن من المنافسة والفوز في سباق التقدم والإنطلاق نحو المستقبل... ولهذا سلاح واحد هو التعليم الجيد، والعلم المتقدم، والمعرفة بكل آفاقها.

إقرأ أيضا لـ "عمرو موّسى"

العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً