أخبرني أحد المتقاعدين في لقاء سابق بأنه أمضى سنوات دراسته النظامية مرافقا لأحد الطلبة على مقعد واحد، ينتقل معه من صف إلى صف حتى تخرجا وانصرف كل منهما إلى شأنه، حتى التقيا مصادفة يوما في أحد مساجد دولة خليجية، وعرف هناك أن صديق دراسته كان من الطائفة الكريمة الأخرى.
مما تقدم أنا لا أجد مبررا لانشغال البعض في البحث عن النقاط التي تثير التفرقة وتكرس الاحتقان الطائفي، فالنقاط التي يتفق عليها الاخوة في الطائفتين الكريمتين أكثر من نقاط الاختلاف، وكما يقول سبحانه وتعالى في محكم كتابه الكريم «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون» (الأنبياء:92).
منذ يومين نقل إلي أحد الأصدقاء أن مدرسا بمدرسة إعدادية في مدينة حمد اعتاد على إثارة الأمور الخلافية بين الطائفتين، كتوجيهه الأسئلة التي لا دخل لها في المنهج المدرسي إلى الطلبة من قبيل «لماذا يتعمم سادتكم بعمائم سوداء؟ ولماذا تشدون رؤوسكم بعصابات خضراء؟ ولماذا كل هذه الطقوس الغريبة التي تمارسونها بشكل منتظم في بعض الأيام اعتمادا على التاريخ الهجري؟».
هذه الأسئلة يجب ألا يسألها معلم راشد لطالب مراهق مازال محسوبا على مرحلة ما قبل النضج، لعدة أسباب منها مثلا: إنها ليست من ضمن محتوى المنهج، وإن الهدف من طرحها كما هو واضح للجميع هو الاستخفاف والسخرية والاستهزاء بمعتقدات الآخر وليس البحث عن الحقيقة، وربما يذهب البعض إلى القول بمحاولة المعلم استغلال طفولة الطالب وسطحية تفكيره لجرجرته في أمور عقائدية بعيدة عن معتقدات الطائفتين الكريمتين، وهي أقرب إلى التوجهات التكفيرية المتخاذلة مع الروئ الإرهابية.
عزز هذا المعلم فعلته التي لا يتقبلها أي أحد بإعطاء الطالب شريط كاسيت يتضمن الإساءة الكبيرة إلى إحدى الطوائف بدعوى هدايته إلى الطريق السوي بحسب ما يراه هو، وفي ذلك تعد جارح يراه حتى الكفيف... وهنا يبرز السؤال: أين هي قرارات وإجراءات وزارة التربية والتعليم التأديبية تجاه هؤلاء الذين يزرعون الفتنة في عقول الطلبة؟ وهل تم اختبار أهليتهم للعمل في الميدان التربوي قبل نثرهم نثرا بين الطلاب؟ هل ستقف الوزارة موقفا شجاعا بالتحقيق مع هذا المعلم تعلن نتائجه للجميع؟ هل هناك في وزارتنا أو حتى من النواب من سيطالب بنقل الموضوع من الأروقة التربوية إلى الأروقة الجنائية باعتباره تحديا لإرادة الوحدة الوطنية وصفعة موجعه على وجه أي نشاط يدعو إلى الإخاء الإسلامي؟ هل صحيح أن البعض في وزارة التربية يروق له أن يضخم الأمور متى شاء ويصغرها متى شاء، وخير مثال حي على ذلك ما تعرضت له طالبة الثانوية منذ فترة من امتهان لكرامتها وتدمير سيئ لنفسيتها بسبب لهوها البريء بأوراق لا تشبه من قريب أو بعيد العملة المتداولة.
هل صحيح أن مدرسا من موزعي الأشرطة أدين قبل عام بتحرش جنسي بأحد طلبته ولم تتخذ الوزارة تجاهه أي إجراء تأديبي، عدا نقله من مدرسته التي رفض أولياء الأمور بقاءه فيها، فنقل على الأثر إلى مدرسة أخرى رفضه طاقمها التعليمي بدورهم، والآن تم انتدابه مشتركا بين إحدى المدارس والوزارة، في ما يعرف في الوزارة بـ «خبير في جودة التعليم» أو شيء من هذا القبيل، تمهيدا لتسليمه مركزا مهما يتضمن ملفات حساسة باعتباره «خبير جودة التعليم»!
عن أية جودة يتحدثون؟ هؤلاء يقبضون اليوم ثمن استهتارهم... مخالفاتهم الفظيعة تترجم إلى تكريم وارتقاء، وهذا إحباط للعاملين في الحقل التربوي، وحافز للغارقين في الانحطاط والانحلال.
المادة رقم 18 في دستور مملكة البحرين للعام 2002 تقول نصا: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة».
ومن هذه المادة أتمنى أن تتحقق صفة المساواة القانونية واتخاذ الإجراء اللازم تجاه هذا المعلم ليكون درسا لكل من تسول له نفسه شحن الأجواء بالنعرات الطائفية البغيضة والدفع بالحال الاجتماعية إلى التمزق في قذارة التعصب.
أيضا، لدينا المادة رقم 23 في دستور مملكة البحرين للعام 2002 تقول نصا: «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي بينها القانون، مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية»، ومن هنا أجد انتفاء أي مبرر علمي لما قام به المعلم، بل أجده مدانا من رأسه حتى أخمص قدميه وفق هذه المادة، وبذلك أتمنى من وزارتنا العتيدة أن تجد بين ملفاتها ما يجرم هذه التصرف غير المقبول، الذي يفترض أن يكون المعلم على علم به عند توقيعه عقد توظيفه مربيا للأجيال والمبادئ والقيم!
معظم المجتمعات المتحضرة التي تنشد الاستقرار المستمر والنهضة الشاملة تجدها تتبنى مبادئ العدالة والمساواة ونبذ جميع أشكال التمييز والعنصرية، ومن هنا كانت آلة الاستعمار وأذنابه تضرب بكل ثقلها قوى الوحدة الوطنية عبر سياسة «فرق تسد» غير الأخلاقية، التي من المفترض أن تكون قد ماتت وحملها المستعمر في أكفانها إلى حيث رحل، وإن بقاءها هو أكبر دليل على ترسبات الاستعمار التي تهيم بها عقول جوفاء لا تريد صلاحا للوطن.
إقرأ أيضا لـ "ميثم العرادي"العدد 1881 - الثلثاء 30 أكتوبر 2007م الموافق 18 شوال 1428هـ