خاض عدد كبير من طلبة وطالبات مدارسنا الحكومية - مجبرين لا أبطال - تجربة مجحفة طبقها عليهم القائمون على إعداد مناهج التربية الأسرية، وكانت النتيجة المتوقعة سيئة إلا أن النتيجة الفعلية كانت أسوأ من السوء نفسه، فمن نتائج امتحان منتصف الفصل الدراسي التي عقدت حديثا يمكن استشفاف ثمرة مكابرة الاختصاصيين في الحديث عن تناسب الكم المعرفي المقرر والفترة الزمنية الواجب استغلالها بكل ثوانيها علها تجدي... اليوم لا ينفع البكاء على اللبن المسكوب، فالقراءة الأولية لنتائج امتحان منتصف الفصل في عدد من المدارس التي تواصلنا مع مدرسيها ومدرساتها، غير مبشرة ولا تبعث الارتياح في نفس أحد قطعا، وذلك ما توقعناه كنتيجة حتمية لهذا الإصرار الجنوني على تروية شجرة ليس في ثمارها أحلى من الشوك.
المدرسون نقلوا شكواهم عدة مرات، فلا وقت للشرح والإعادة، وكل الوقت لقراءة ما هو مكتوب بين دفتي كتاب «أسر101» حتى أن البعض يضطر إلى سرقة 10 دقائق إضافية من حصة المعلم الذي ينتظر خروجه، أضف إلى ذلك عدم تمكن المعلم من إعطاء أية أسئلة (إثرائية أو علاجية) أو أنشطة صفية ولاصفية، وهنا تضيع إحدى أهم وسائل التقويم التربوي التي تحقق شيئا من الجودة التي تنشدها وزارة التربية والتعليم في خطتها الشمولية لمدارس المستقبل.
من منطلق تخوفنا على طريقة تعامل هذه الإدارة مع ما تواجهه من مشكلات متجذرة في العاملين بها، أثرنا عدة أسئلة مشروعة لم تجد ردا موضوعيا.
لماذا يخافون المساءلة؟ إن المساءلة أسلوب متطور وراق، يأخذ به كل من أراد إنجاز تقدم ملحوظ في مستوى أدائه، وهو حق مشروع لجميع المشاركين في صناعة القرار على جميع الأصعدة، ولا يشذ في ذلك الأمر صناع القرار التربوي على اختلاف مراكزهم إلا من ارتضى لنفسه أن يكون كـ «البعير العاق» الذي زينت له نفسه التمرد على واقعه والهروب من خط المسئولية إلى خطوط الوهم التي بينت له أنه قادر بفعل خبرته التراكمية (تحسب بالسنوات وليس بمحتواها الفارغ) على المضي في مواصلة الطريق من دون إسناد وإرشاد، مضيعا حق المساءلة التوجيهية التي تخضع لها معظم الكيانات التي تحترم عقليات أفرادها.
لدينا في البحرين من لا تعجبه الانتقادات والمساءلات، وإذا وجد من دائرة العلاقات العامة من يدافع عنه بأسلوب لائق يترجم من خلاله غطرسته إلى عبارات مفهومة، وإن كانت بعيدة عن علامات التساؤل الحقيقية، فإنه يسارع إلى انتقاد أولئك المساكين الذين أمضوا فترة طويلة في صوغ الرد لأجل عينيه، فتارة يتهمهم بالتآمر ضده، وأخرى بأنهم لا يجيدون أبجديات الرد التي يتقنها، وعند الوصول إلى هذه المرحلة الحرجة فلا يجب التأخر أكثر في علاجها، باعتبارها حالا مرضية تستحق الشفقة، فإن كان ميئوسا من علاجها فلا يجب البخل عليها برصاصة الرحمة عبر انتزاعها من موقعها الذي لم تنجح فيه، إلى بيئة نظيفة تقضي فيها أيامها الأخيرة.
أخبروني أن مخضرمي مناهجنا دائما يتبخترون في محافلهم بأنهم أهل الخبرة والمعرفة، وليس هناك ما يمكن انتقادهم فيه (وهذا الكلام جميل إن صح)، وهنا يثار سؤال مرتبط بهذا الزعم، فإذا صح ذلك فلم تأخروا عن تأسيس بيت خبرة وطني يوفر علينا تلك الملايين التي استنزفت موازنة الدولة من أجل إسناد مهمة تأليف بعض مناهجنا المدرسية إلى الخبرات المستوردة من وراء البحار، بشكل يوحي بغياب الخبرات البحرينية أو عدم الثقة فيها... إن كانت الخبرة البحرينية لديها ضعف نستطيع أن نقويها أو نعززها بمسانده جزئية من الخارج، وإن كانت الخبرة البحرينية مريضة بشكل لا يمكنها من العطاء، نعفيها ونفتح المجال للطاقات الشابة كي تتفجر، ويكفي عبثا في هذه الملفات الحساسة، إذ إن وقت التغيير حان ولا يمكن تأجيله أكثر، وخصوصا في تلك المناهج التي يفترض فيها أن تعزز التربية الأسرية لدى الطلاب وتصقل شخصياتهم وتعدهم للتكيف مع الحياة عبر إمدادهم بمواقف حياتية تنموية شاملة ترقى بمدركاتهم إلى المستوى الذي يؤهلهم لتسلم مراكزهم، كل بحسب إمكاناته، لا بحسب علاقاته وقراباته، كما ارتقى البعض مقاعد لا يستحقها هو، ولا ذلك الذي سهل له خطوة الارتقاء.
هناك بعض الدراسات التربوية الحديثة التي تتحدث عن تمكن الطالب في دول الغرب من قراءة 400 كلمة في الدقيقة الواحدة، في الوقت الذي لا يستطيع فيه عدد ليس بقليل من المعلمين لدينا قراءة أكثر من 25 كلمة في الدقيقة، فما بالك بالطالب؟َ! وهنا عتاب شديد لاختصاصي مناهج اللغة العربية الذين نما إلى علمنا أنهم من خلال بعض القنوات يسعون إلى إسناد تأليف كتب اللغة العربية للمرحلة الثانوية إلى إحدى الشركات المتخصصة في تأليف المناهج، بغض النظر عما تحتويه مناهجهم من مادة قد لا تتناسب مع مجتمعنا وقيمه وتوجهاته من جهة، وما تمثله تلك الخطوة غير المدروسة من هدر مرهق للمال العام يمكن ترشيده وتوجيهه بشكل أفضل إلى إبراز الخبرات الوطنية وإخضاع المعلمين لدورات تدريبية في القراءة السريعة التي ينقلونها إلى الطالب بالممارسة والتدرج، حتى يمكن مواجهة المناهج الدسمة التي لا يراعي واضعوها الفترة الزمنية لتدريسها كمقرر «أسر101» مثلا، الأمر الذي يجعل طول المنهج بالتحالف مع القراءة البطيئة للمعلم والطالب على حد سواء، كأرجوحة مملة لا يخرج منها الطالب بما ينتظر منه بعد مروره بكل هذه الخبرات التي حشروها حشرا.
إقرأ أيضا لـ "ميثم العرادي"العدد 1880 - الإثنين 29 أكتوبر 2007م الموافق 17 شوال 1428هـ