ليت يعرف من اتخذ القرار بمنع كتاب للأكاديمي نادر كاظم «استعمالات الذاكرة في مجتمع تعددي مبتلى بالتاريخ» أن حجب الكلمة عن النور لعب بالنار، وأن عصر ظلامات أمن الدولة غير المأسوف على رحيله لن يعود حتى وإن دغدغتكم أمانيكم، أو جاءكم شيء من الحنين لماضيكم غير المشرق وغير المشرف.
شهدنا معا في الأسبوع الماضي أسوأ حلقات مسلسل التراجع المستمر في الحريات العامة والخاصة في البحرين على الإطلاق، ومعيب جدا أن يكون ذلك في عهد الإصلاح، وفي عهد الشفافية، ومخزٍ كل الخزي أن يحدث كل ما نرى في القرن الواحد والعشرين، ويبدو أن هناك من يعيش في العصور الوسطى فكرا على الأقل.
حجب الكلمة عن النور مشروع جد خطير، يحمل خلفه غاية أكبر وهي محاربة المعرفة، وعرقلة أي مشروع إبداعي لأبناء البحرين، فبالأمس منعتم الكاتب عبدالله خليفة من طباعة روايته، واليوم سوّلت لكم أنفسكم أمرا، فكأنما تباريق الصبح لم تظهر بعد.
منع كتاب «استعمالات الذاكرة» من الصدور، وصمة عار في جبين من اتخذ ومن ساند وحتى من سكت على هذا القرار، لأن القضية ليست نادر كاظم، ولا حتى كتابه المعتقل، إنما هي أعمق من ذلك بكثير، فهناك قوى تسيرعلى غير رشد، ومستعدة لأن تبرهن في كل حين أنها لم تستوعب أن تغييرا قد حصل، وأن الساعة التي تريدون إرجاعها قد مضت، ولن نسمح لها أن تعود.
أبصم بالعشرة بل بالمئة إن احببتم، أن وزير الإعلام الجديد ولا حتى القديم لا علاقة لهما بهذا القرار، وهذا يعني أن من اتخذه حصرا هو من لايزال يفرض سطوته على جهاز المطبوعات، وهذا الجهاز فاسد ويجب استئصاله، وتغيير الطاقم القيادي المهيمن عليه، ويجب ان تتحلى الحكومة بهذه الجرأة لتكشف اللثام عن المسئول عن جميع أنواع المصادرات.
قد يغفر المجتمع كل شيء إلا المساس بحرية الكلمة، لأن مصادرة الكلمة يعني أن ما ندعيه من وجود قدسية لحرية التعبير زيف وافتراء، أو لنقل لا حقيقة له على الأرض، وإذا بررنا للمجتمع أن يصمت في كل شيء لن نبرر له سكوته هذه المرة، وفي مقدمة المجتمع أعضاء مجلسي الشورى والنواب، وأتمنى من صميم قلبي ألا يشغلهم عارض صغير عن القضية الكبرى للمجتمع، ومن يتخلى عن هذه القضية فليسمح لنا أن نعده في عداد الموتى أو عداد المفقودين، ولنبحث عنه ما بين الركامات الصغيرة حيث يتزاوج الذئاب والذباب!
كتاب نادر كاظم كما صاحبه ليس صِداميا، بل يحمل تأصيلا ثقافيا معرفياَ ويقدم صيغا لوجوب التعايش، إذ يشير إلى «سياق تطوير التعددية الثقافية ويناقش المعوقات التاريخية والثقافية التي تحول دون إقامة التعددية الثقافية في بلد مثل البحرين، ويناقش المعوقات التي تحول دون إنجاز التعايش بين الجماعات والتوافق داخل الدولة، كما يناقش الكتاب قضايا الهوية الثقافية والذاكرة الجماعية والسرديات الجماعية عن التاريخ البحريني المتنوع أساسا والتي تسعى أطراف معينة إلى اختزال هذا التنوع في صيغ مفردة ومشذبة للتاريخ والهوية والثقافة».
البحرين كانت وستبقى وطن الإبداع، ومن هنا أطل على الأمة فجر من الرواد أمثال المفكر البحريني الكبير محمد جابر الأنصاري، والذي نفتخر بأنه أحد رواد الفكر العربي المعاصر، وكذلك الشاعر الراحل إبراهيم العريض والشاعر قاسم حداد، والقائمة تطول، وها هي الأم الحبلى بالمبدعين ما فتئت تلد مبدعين جدد رغما عن أنف الصغار.
أهكذا يكافأ الإبداع والمبدعون؟! عزائي الوحيد ربما أنكم لن تكونوا من البحرين الجديدة، وهل عسى يقترن النور بالظلام؟... وإلى ذلك المصدر المجهول الذي كفانا شرف معرفته، ولمن على شاكلته من بقايا الظلام نقول: عذرا أبحثوا لكم عن غراب يواري سوأتكم!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1879 - الأحد 28 أكتوبر 2007م الموافق 16 شوال 1428هـ