العدد 1879 - الأحد 28 أكتوبر 2007م الموافق 16 شوال 1428هـ

حين يقول المجتمع شكرا

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

كان حفل التكريم الذي دعت إليه لجنة التكريم الأهلية بالقطيف، والذي أقيم بنادي الصفا بمدينة صفوى الحبيبة مساء الأربعاء الماضي، وكرم فيه كوكبة من رواد العمل الاجتماعي، لفتة اجتماعية جميلة ونبيلة ورائعة، فتكريم الرواد في البذل والعطاء، والمساهمين في الفعل الاجتماعي الأهلي والتطوعي والباذلين لزينة الحياة الدنيا (المال)، ولكل ما ملكوه من وقت وجهد وطاقة لأهلهم ومجتمعهم، دليل ساطع على وفاء هذا المجتمع واعترافه بالفضل لرواده، وتقديره لما قدمه هؤلاء بنفس سخية وشعور طافح بالحب والإخلاص لأهلهم ومجتمعهم.

والتكريم هنا هو لحظة وفاء اجتماعية يتداعى فيها المجتمع لذكر من ذكره وشكر من قدم له، والثناء على ما بذله أخوه الإنسان، حبا واحتراما وتقديرا لكباره وصغاره وتلبية لحاجاته وضروراته.

إن التكريم في شكله المألوف والمعروف الذي اعتدناه وسيتكرر علينا (إن شاء الله) هو مجموعة من القصائد المدحية والثنائية، وكلمات جميلة من الأدب الأصيل والثمين، وتشكيلة كبيرة من الدروع التذكارية والهدايا الرمزية، إنه الشكل والقالب الذي تحتويه احتفالية التكريم عادة والتي تنتهي غالبا بوجبة طعام على شرف المكرمين.

لكن حقيقة التكريم هي غير ذلك، إنها لحظة انتقال اجتماعية من حالة التنكر والتناسي والغفلة عن هذه القلوب الطيبة إلى حالة وجدانية جميلة مشحونة بالاعتراف بادوار هؤلاء الرواد، والإقرار بصوت مرتفع ومسموع بما حصل عليه المجتمع من فضل عطائهم، كما أنها شهادة اجتماعية بإنسانية هؤلاء، وهي تختلف في معناها وفحواها عن الشهادات العلمية والأكاديمية وغيرها.

إنها لحظة انعطاف مهمة ينظر المجتمع فيها بإيجابية لأهله ومنتسبيه، ويجهز على السلبية المقيتة التي لا ترى في المجتمع إلا ذوي المصالح الشخصية، ولا تختزل ذاكرتها إلا الصور المعتمة، التي لا يخلو منها مجتمع، ولا تنعدم في أي جماعة من الجماعات.

وفرق كبير بين أن تحدثك الروح السلبية عن ما صنعه هؤلاء بقولها: ماذا فعل هؤلاء؟ هل غيَّروا واقعا؟ أو بدَّلوا فقرا؟ أو نقلوا المجتمع من سوء حاله إلى خير حال؟ ليحمِّلوا هؤلاء فوق طاقتهم واستطاعتهم، وبين الروح الايجابية التي تقول بتكريمها لهؤلاء، لو كان في مجتمعنا أعدادا متكاثرة من أمثالكم لكنا في وضع أحسن وأرقى مما نحن فيه.

لمن الدروع والهدايا؟

المكرمون ليسوا بحاجة إلى الهدايا والدروع التي قدمت لهم، ولعلي أصدق القول مع نفسي إن حدثتها بأن بعضهم ممنّ تربطني به لقاءات عديدة وجميلة، يتضايق من كلمات المدح والثناء، وينزعج للإطراء ، ويحب البذل والعطاء في هدوء وصمت مذهلين، وثقتي تامة أن الآخرين يشتركون معه في هذه الصفات الطيبة، كما أن اعتقادي جازم أنهم جميعا لم يقبلوا بحفل التكريم إلا لأجلنا، فنحن أصحاب الحاجة لهذه الاحتفالات، وحاجتنا أن نسمع منهم كيف سيطروا على فرديتهم؟ وكيف طوعوا ذاتهم؟ وكيف ارتضعوا ثقافة الإيثار والبذل لتؤتي أكلها في أموالهم وأوقاتهم وراحتهم واهتمامهم بمجتمعهم. دعونا يا لجان التكريم العزيزة نأخذ مبتغانا من احتفالات التكريم، ولتكن برامج احتفالات التكريم قسمة عدل بيننا كمجتمع وبينكم كرواد ومبادرين، إنني اقترح ( وأرجو أن تتسع صدوركم لاقتراحي) أن نعطي للشخصية المكرمة وقتا جادا وكافيا لتنقل لنا تجربتها في العمل والعطاء، ولتحدثنا عن صراعاتها النفسية والداخلية مع العطاء والبذل والعمل التطوعي، وكيف انتصرت عليها؟ وعن الضغوط الاجتماعية وكيف واجهتها؟ وعن الآثار التي لمستها جراء عملها التطوعي وبذلها السخي، وعن لحظات الضعف التي اعترتها وكيف ثبتت واجتازتها بنجاح؟

نحن أيها السادة بحاجة إلى استفادة الدرس والعبرة والتحفيز من الاحتفالات، لتكون هذه الاحتفالات التكريمية المباركة بمثابة تحضير لرعيل قادم، وأجيال واعدة، تسلك مسلك الإنسانية والحب لمجتمعها.

المرأة من جديد

إذا كان في مجتمعنا رجال يستحقون التكريم والشكر، ففيه نساء رائدات باذلات كريمات مجتهدات في دعمه ومساندته، ليس ذلك لأن وراء كل رجل عظيم امرأة، بل لأن قبل كل رجل عظيم امرأة أكبر عظمة ومكانة، حين أهدت لنا ممن تكون في رحمها وشرب من لبنها، وتربى على يديها رجال كهؤلاء، إن تلك الأمهات أنجبن كذلك بناتا يرفع بهن الرأس، ولسنا بحاجة إلى أكثر من أن نلتفت عن يميننا وشمالنا لنجد هامات عالية من نسائنا وبناتنا اللائي يشاطرن الرجال في ريادة العمل الاجتماعي ويحفرن مكانتهن في قلوب الناس بعطائهن وسخائهن وجهدهن وجهادهن، وحقهن أن لا ينسى هذا الفضل لهن.

لقد اخذ الرجال المبادرة وكرمّوا الرجال في أكثر من حفل، والأمل قوي أن تذكر المرأة وتكرم في الاحتفالات القادمة، مع مراعاة مختلف الجوانب (الشرعية وغيرها) اللازمة لهذا التكريم، وإذا كان ثمة صعوبات في هذا التكريم فعلى المرأة أن تبادر لإقامة احتفالات نسائية تكريمية خاصة بالرائدات في مختلف مجالات العمل والعطاء الاجتماعي والعلمي وغيرها.

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1879 - الأحد 28 أكتوبر 2007م الموافق 16 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً