العدد 1879 - الأحد 28 أكتوبر 2007م الموافق 16 شوال 1428هـ

كتابٌ ممنوع!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في العام 1980، وكنا طلبة في كلية الخليج الصناعية (جامعة البحرين حاليا)، أعارني أحد الزملاء كتاب «البحرين... مشكلات التغيير السياسي والاجتماعي»، للكاتب الكويتي محمد الرميحي. وأعطاني مهلة خمسة أيام لأنهيه وأعيده إليه، وإلاّ فإنه لن يتحمل تبعات ذلك!

طبعا كان الشرط تعجيزيا، فمن المستحيل قراءته بهذه السرعة الصاروخية، وأعدته إليه بعد انقضاء الأجل المضروب لكي لا أتحمل «التبعات»، والتي كانت تعني إمكان أن تُودَع أحد السجون لو عُثر عليه بحوزتك، لأنه ببساطةٍ... كتابٌ ممنوعٌ يهدّد «أمن الدولة»!

وظلّت الحسرة تراودني على أمل العثور على الكتاب الذي يرصد تاريخ بلدنا. وقبل ثلاثة أشهر، اكتشفتُ وجوده بالمصادفة لدى زميلتي بـ «الوسط»، اشترته عام 2001 مصادفة أيضا من الكويت حيث تدرس، فقط لأنه يحمل اسم البحرين. ولم تُتح لي الفرصة للاختلاء به إلاّ الأسبوع الماضي، خلال إجازةٍ قصيرةٍ، اغتنمتها للخلاص نهائيا من «الحسرة» التي طالت 26 عاما!

الكتاب هو رسالة الرميحي لنيل الدكتوراه، وهو دراسة أكاديمية تتناول واحدة من أخصب فترات تاريخنا الحديث، (1920-1970). وهي الفترة التي شهدت ما يسميه الرميحي بـ «سقوط النظام القديم» (السخرة ومظالم زمن الغوص وضريبة «الرقبية» على بعض شرائح المواطنين)، وغيرها من مثالب تاريخنا المخجل وما فيه من بشاعات، وما تبع ذلك من بداية تأسيس النظام القضائي والتعليمي والصحي، ووضع اللبنات الأولى للبحرين الحديثة.

الكتاب يعتمد منهج البحث العلمي، وتلمس ضخامة الجهد المبذول في تجميع مادته من خلال تتبع المصادر العربية والأجنبية، والمراسلات والوثائق التاريخية. هذا المنهج الذي يعجز الكثيرون اليوم عن الالتزام به، بفعل عمق المأزق الطائفي الذي نجد أنفسنا متورطين فيه. وأحد مظاهر ذلك الحساسية المفرطة في تلقي الكتابات التاريخية الجديدة التي يجهد المؤلفون البحرينيون في تقديمها، فتكون لها الرقابة بالمرصاد.

في الشهر الماضي وحده، نجد أنفسنا أمام حالتين تدقان ناقوس الخطر، الأولى أزمة منع موسوعة تاريخ البحرين التي كلّف بكتابتها مكتب رئيس الوزراء، وتولى ذلك مجموعةٌ من الباحثين والمؤرخين البحرينيين الرسميين والمحايدين. ومع ذلك ما أن اكتملت الموسوعة حتى تصدّت لمنعها من النشر بعض «الجهات» التي لا يعجبها معرفة الناس بحقائق التاريخ... علما بأن المجموعة من غير ذوي الانتماءات السياسية حتى لا تتهم بالمناكفة، أو يُحسب العمل على «المعارضة» التي لا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب.

الأزمة الأخرى منع كتاب الزميل نادر كاظم «استعمالات الذاكرة»، والجانب الهزلي فيها أكثر بروزا، فالكاتب كان ينشر نتاجه كل أسبوع في «الوسط»، ويبدو واضحا الجهد المبذول في جمع وتتبع المصادر وإعادة القراءة والتدقيق، فخلص إلى قراءةٍ أخرى مستقلة تستحق التقدير. وأعتقد أنها من أهم محاولات قراءة تاريخنا الوطني من منظور ثقافي بحت.

هذا الأسبوع تمكّنت من قراءة كتاب الرميحي بعد مرور 26 عاما، دون خوفٍ من دخول السجن لو عثر عليه مخبرٌ بحوزتي. وأعتقد أنه ما زال ممنوعا، فالرقباء في عهد الإصلاح أصبحوا أكثر تحسّسا من عرض التاريخ، وعلينا من الآن فصاعدا أن نعد قائمة الكتب الممنوعة القادمة في الطريق!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1879 - الأحد 28 أكتوبر 2007م الموافق 16 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً