من الخرق ممارسة التطبيل أو الرقص على دقات المطبلين لكل ما يصدر عن «الوفاق»، فالمؤسسة يقوم عليها بشر يخطئون ويصيبون، و «من خلا من العصمة لا يخلو من الوصمة»، فهم - وعلى رأسهم الشيخ علي سلمان - يحتاجون إلى كل نصيحة وإرشاد، ولديهم أخطاء يجب عليهم المبادرة إلى تصحيحها حتى لا يكونوا مسئولين عن عواقب ذلك، والهجمات الرعناء التي تتعرض لها «الوفاق»، ينبغي ألا تعمي المريدين عن ممارسة النقد البنّاء، سواء من داخل المؤسسة نفسها، أو من خارجها بواسطة جمهورها، وما أروع كلمة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وهو يقول: «كثرة الخلاف شقاق وكثرة الوفاق نفاق».
غير أن من الخرق والبلاهة، تحويل الخلاف بسبب إثارة كل صغيرة وكبيرة، إلى شقاق، وبالتالي مشاركة أصحاب الأغراض الحزبية الضيّقة أو من يسعى إلى مصلحة شخصية يصعب عليه تحقيقها بوجود «الوفاق» - المؤسسة، في جريمة تدمير الجمعية تحت يافطة باهتة أسموها زورا «النقد وحرية الرأي». وللإنصاف، إن جزءا من المشكلة يرجع إلى قلة التواصل مع الجماهير؛ ولهذا تكبر الشائعات، ويتحوّل الوهم بكثرة تَكراره إلى يقين.
هناك تقصير بل كسل وخمول من بعض الأعضاء في مختلف هيئات «الوفاق»، هذا التقصير أو القصور، دائما ما يصيب المؤسسات ذات الرقابة غير الفعّالة؛ ما يعني الحاجة إلى نقد وتقويم، وهذا لا خلاف فيه، بَيْد أن هناك من يصطاد في الماء العكر لتدمير المؤسسة لا غير.
السؤال الجوهري والمهم جدا، والموجّه إلى كل من يساهم في إنجاز هذا التدمير، بقصد أو من دون قصد، ولكن مجرد تلذذ بحكايات المجالس: ماذا بعد تفكيك «الوفاق»؟ الجواب: سيزداد الوضع سوءا، وسيعم النزاع والصراع بين العوائل الكبيرة والنافذة من أجل كراسي البرلمان والبلديات... إلخ. كذلك ستنشأ عدد من الجمعيات السياسية، ولكن ما الذي سيكون فارقا بين عمل «الوفاق» والجمعيات الجديدة؟ لا شيء! لماذا؟ لأن «الوفاق» ليست مؤسسة عائلية، وليست شركة خاصة، وليست حكرا على الشيخ علي سلمان أو غيره، ولم يفرض المسئولون فيها أنفسهم على مناصبها عنوة؛ «الوفاق» مؤسسة جماهيرية، تقود القسم الأكبر من تيار انتفاضة التسعينات، وكل من لديه عضوية فبإمكانه المساهمة في إيصال المترشح الذي يراه كفؤا إلى مختلف هيئاتها، فصناديق الاقتراع هي الفيصل بين المتنافسين، ولا يوجد بيننا معصوم نرضى أن يعيِّن لنا من يراه أهلا لإدارة المؤسسة.
حتى المعصوم نفسه لا يمكنه من دون إعلام من الله، أن يضمن بقاء من يعيّنه في المنصب على إخلاصه، فكم من خائن انقلب على عقبيه، فلحظات الإخلاص والتقوى تتفاوت، والقلوب قد تنقلب 180 درجة في غضون ساعة واحدة بسبب التنازع على الدنيا والشهوات، ولهذا أسس الإمام علي (ع) مبدأ نقد الحاكم، فقال (ع): «... فلا تكفّوا عن مقاله بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني». ولكن النقد والتسديد ليسا بالأسلوب الذي ينم عن حقد وغلّ في القلوب، وتوزيع اتهامات بالمجان، ورميها على الآخرين يمنة ويسرة بطريقة هستيرية، كما نقرأ في بعض المنتديات ونسمع في بعض المجالس.
كثرة اللغو الذي تنتعش به بعض المجالس، قد يقود إلى تقويض حقيقي لهذه المؤسسة وشلّها. أهل البيت (ع) - مع عظمة شأنهم بلا خلاف بين المسلمين جميعهم، لقوله تعالى على لسان نبيه (ص): «قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى» (الشورى: 23) - تم تمويه جزء كبير من المسلمين عن فضائلهم لعقود مديدة، مع أنهم شمس نورها يضيء النهار وإن حجبت قرصها سحاب. فكيف بمن يصيبون ويخطئون... يستقيمون ويتعثرون؟
بعضهم يسأل ماذا فعلت لنا «الوفاق»؟ ماذا فعل لنا فلان النائب؟ أين نتاج عملهم على الساحة؟ تسأله: وما الذي كنت تتوقع أن يقوموا به؟ أو ما الشيء الذي بأيديهم القيام به ولم يفعلوه خلال خمسة أشهر من المشاركة فقط؟ البعض حتى لا يعرف كيف تجري الأمور ولا يعلم بالآليات التي تسير بها العملية في المجلس النيابي، ولا يدري أن المجلس يُفترض به أنه مختص بالتشريع والرقابة... فقط يشارك - بحسن نية - في إثارة الغبار مع المغبِّرين من دون أن يدري.
حديث المجالس أصبح «الوفاق» والبرلمان، كأنما ليس في الدنيا مشكلات اجتماعية كثيرة بالإمكان الانشغال بها، وحلها. المجتمع مليء بالثغرات، وفي غفلة من الناس، تقوم جهات معينة مشبوه فيها بصب الفساد بمختلف أنواعه على المجتمع مدرارا، وتخرج لنا مصائبَ لم نعهدها سابقا من كل حدب صوب، والقيم الدينية تضمحل يوما بعد يوم، والتوعية في القرى ومختلف المناطق تتراجع، وجماعات البِدَع والضلال المعروفة بانحرافها تعمل بجد وإصرار على اختراق المجتمع، على حين الهم الأكبر للكل هو «الوفاق» ونوابها.
من حق الناس النقد والسؤال، ولا يصح لهم السكوت والمتابعة الذيلية العمياء، فالأداء ضعيف لبعض النواب، ومن حق الناس المطالبة حتى بانسحابهم إذا لم يغيروا أداءهم، ولكن لا ينبغي الانجرار إلى حد تدمير المؤسسة وهتك حرمة المؤمنين بالتقول عليهم، وتضخيم عثراتهم وتتبعها حتى على مستوى المشكلات الشخصية الأسرية؛ بل وصلت الحماقة وقلة الورع بالبعض إلى حد التخوين وبيع الدين من أجل الدنيا، من دون أدنى دليل على ذلك.
الإمام علي (ع) يخاطب أهل الكوفة قائلا: «يا أهلَ الكوفة أتروني لا أعلم ما يصلحكم؟ بلى ولكني أكره أن أصلحكم بفساد نفسي»، على حين بعضُ من ينتقد الشيخ علي سلمان ومسئولي «الوفاق»، بلغ العقد الخامس من عمره، ينتقد بحرقة تنبعث من قلبه، ولكن في الوقت نفسه بسبب تجنيه، يعمل على إفساد قلبه وتخريب علاقته بالله وفساد آخرته. فأي عقل يحمله على إصلاح شأن الناس بإفساد دينه؟ ألا ينبغي أن يكون نقده قربة لله وطمعا في ثوابه أم لهدم مروءة المؤمنين وتدمير المؤسسة؟ وللتذكير فقط، إن الشيخ علي سلمان قالها في الكثير من المحافل: أن لا ضمان من تحقيق أي إنجاز في ظل هذه الآليات التي تجعل الأمور مرهونة بيد الحكومة، غير أن الدخول من أجل المحاولة والضغط قدر الإمكان.
أخيرا، لا يمكن لعاقل أن يجعل من نفسه مطيّة لأصحاب أغراض ودوافعَ سياسية تسعى إلى هدم مؤسسة وطنية كجمعية الوفاق الوطني الإسلامية، التي بزغت إلى النور نتيجة تضحيات تيارها في انتفاضة التسعينات التصحيحية. الساحة السياسية تعج بالهمزة اللمزة الذين لا يدّخرون جهدا ولا يفوّتون فرصة سانحة من دون اقتناصها لدفع «الوفاق» نحو الهاوية الشعبية والقضاء عليها، وتحقيق حلم بعض مرضى النفوس الذين ما فتئوا يدعون إلى تفكيكها منذ اليوم الأول لتكوينها.
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1878 - السبت 27 أكتوبر 2007م الموافق 15 شوال 1428هـ