العدد 1878 - السبت 27 أكتوبر 2007م الموافق 15 شوال 1428هـ

شهر رمضان لقس مسيحي في تركيا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

دُعيتُ قبل شهر رمضان من قِبل المركز الثقافي التركي للسفر إلى تركيا؛ للمشاركة في سلسلة برامجية وثائقية عن شعائر شهر رمضان المبارك في اسطنبول.

قامت محطة «سامانيولو» التلفزيونية الوطنية التركية بتطوير سلسلة وثائقية السنة الماضية عن شهر رمضان في دول مختلفة، وهم فكروا هذا العام في عكس السيناريو من خلال دعوة أجانب إلى اسطنبول للمشاركة في نشاطات الشهر الفضيل مع عائلات تركية.

تشكّل المادة التي قاموا بإنتاجها مكونا رئيسا لبرنامج مدته ثلاث ساعات تم عرضه كل يوم قبل موعد الإفطار. وقد عرض البرنامج على قنوات تلفزيونية رمضانية تابعة إلى محطة «سامانيولو» حول العالم، بما فيها الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا.

تلقفتُ فرصة القيام بتلك الرحلة بفرح. بصفتي قسا مسيحيا كنت متأثرا وكلي فضول لخوض تجربة الحياة الروحية للأسر والمجتمع التركي وهو يحتفل بالشهر الفضيل، ولأن أكون جزءا من برنامج يشجّع التبادل عبر الثقافات والعلاقات بين الأديان.

تم الترحيب بي في منزل مضيفيّ الكرماء مساء يوم الجمعة. كان هناك مصطفى وزوجته وابنتهما البالغة من العمر 15 سنة وابنهم البالغ من العمر 10. مصطفى يعمل بنجاح في الإنشاءات السكنية. زوجته وابنته تلبسان الحجاب، على رغم أن ذلك ممنوع في المكاتب الحكومية والمدارس الحكومية في تركيا. يقع منزلهم في حي سكني راقٍ جديد.

وبما أن تلك كانت أول تجربة صيام لي في شهر رمضان، وبما أني أبلغ من العمر 78 عاما، أخبروني أن ليس من الضروري القيام بالصيام كاملا، وإنما يمكنني المشاركة من خلال صيام أقل شدة يقدم إليّ بعض المراعاة. إلا أني رغبت في المشاركة بشكل كامل في الصيام أسوة بهم.

استيقظتُ في صباح اليوم التالي في الساعة الثالثة والنصف لتناول وجبة السحور. أدت الأسرة بعد ذلك صلاة الفجر، واقترحوا عليّ العودة إلى غرفتي للحصول على قسط إضافي من الراحة للإعداد للنشاطات اليومية. بعد الاستراحة قمتُ بتلاوة القرآن الكريم وأشعار مولانا جلال الدين الرومي الصوفي والشاعر المسلم.

ذهبنا في ذلك اليوم إلى سوق مفتوحة وقمنا بشراء حاجاتنا لإعداد وجبة الإفطار. قمنا بشراء التمر والعدس لإعداد الحساء والخبز واللحم والخضراوات لإعداد الكباب.

عند الظهر ذهبنا إلى مسجد أيوب سلطان للصلاة. شُيِّد هذا المسجد في القرن الخامس عشر الميلادي تخليدا لأيوب سلطان الذي يتميز بكونه صحابي الرسول محمد (ص). أخبروني أن جماهيرَ غفيرة تؤم المساجد كل يوم لأداء الصلاة عند قيام المؤذنين برفع الأذان من المآذن. لقد كان تدينهم مثيرا للخشوع.

شعرتُ وأنا في المسجد بأني أقف حقا على أرض مقدسة في حضرة الله تعالى، فقد وجدتُ من خلال تلاوتي القرآن الكريم تأكيدا لأن الله واحد وهو نفسه المذكور في التوراة والإنجيل، وأننا جميعا أبناء إبراهيم (ع) ونؤمن بالرب نفسه. كذلك قمنا بزيارة مسجد عظيم آخر هو مسجد السلطان محمد الفاتح، الذي بني أصلا في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي على موقع كنيسة الرسل المقدسين نفسه. عند مدخل المسجد كانت هناك مجموعات غفيرة تتلو القرآن الكريم، وكان المؤمنون يأتون لتلاوة الصلوات. جعلتني السكينة والإجلال والوقار أسجد على ركبتيّ وأصلي للرب نفسه.

عند المساء اجتمعنا حول مائدة الإفطار العائلية. شارك أفراد العائلة وفريق التصوير التلفزيوني في الوليمة الفاخرة. أخبروني بوجود خيام في المدينة في مناطقَ متفرقة تستضاف فيها مجموعات الصائمين وخاصة الفقراء والمحتاجين وتقدم إليهم وجبة إفطار مجانية. هناك دعوة مفتوحة للجميع ولا يجرى استبعاد أحد عن طعام الإفطار.

بعد الإفطار قامت الأسرة بأداء الصلاة مرة أخرى. استذكرنا بعد ذلك حوادث ذلك اليوم وقمنا بتسجيل ملاحظاتنا. ما أثار إعجابي هو روحية الذين يصومون شهر رمضان. أثناء فترة الصيام، ابتعدوا عن الأمور الدنيوية وركزوا على كل ما هو روحي. لقد كانت تلك فترة للتفكير المعمّق واختبار الذات بحث فيها الأفراد عن الغفران من الله تعالى من خلال صلواتهم.

ويبدو لي كذلك أنها فترة للتسامح مع أنفسهم ومع بعضهم بعضا. كانت فترة للإعراب عن التعاطف والاهتمام بالآخرين المحتاجين. على سبيل المثال، كان مصطفى وأسرته طوال اليوم مهتمين بأحوالي الشخصية. كانوا بصدق يسعون إلى التجديد والتحوّل في حياتهم الخاصة.

أعتبر أنه شرف عظيم لي أن أصوم أسبوعا من شهر رمضان الفضيل مع المسلمين والمؤمنين في اسطنبول. إضافة إلى رحلتي الروحية، خضت تجربة الدولة التركية الفريدة. فعلى رغم أنها دولة علمانية فإنها لا تستبعد أو تقوّض دور الدين في المجتمع.

هناك دروس لتعلّمها من الحركة المسلمة المتنورة التقدمية في تركيا، والتي تشكل فعليا جسرا بين آسيا وأوروبا.

* مطران سابق في الكنيسة المنهجية الإصلاحية في سنغافورة وماليزيا، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1878 - السبت 27 أكتوبر 2007م الموافق 15 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:20 م

      fadi3420@gmail.com

      اتمنى لكل العلم الاسلام لانه الخلاص من الشيطان وموجب لرضى الله والفوز بالجنة

اقرأ ايضاً