بذلك الترقب نفسه، استقبل المهتمون والمعنيون تقرير ديوان الرقابة المالية الجديد/ القديم الذي سلمه رئيس ديوان الرقابة المالية لجلالة الملك منذ أيام. والذي يتناول – على رغم من جدته - أداء الوزارات والهيئات الحكومية في العام 2006 الذي انتهى بالفعل منذ نحو العام، وبدأ العام جديد الذي يكاد أن ينتهي، ومن المتوقع أن نكتشف في نهاية العام الذي يليه أنه كان يعج بدوره بمخالفات لا حصر لها في الأداء الحكومي.
من أبرز النقاط التي كانت تتكرر كل عام بشأن التقرير السنوي هي أنه يرصد المخالفات التفصيلية، ويوصي بالتغيير، غير أنه لا يملك سلطة فعلية للتغيير، لذلك تبقى المخالفات تقريبا على حالها تراوح مكانها كل عام. بل أنها تتفاقم كل عام عن الذي يليه، وكلما صدر التقرير، هب الجميع لدراسته وتفنيده وتحليله، وإبراز عيوب المؤسسات، التي ستهب بدورها في الأيام القليلة المقبلة بالرد على ما تنشره الصحف بخصوص التقرير. ونتوقع أن تتسابق المؤسسات الحكومية في الأيام القليلة المقبلة في إرسال ردود منمقة مرتبة، ينافس كل منها الآخر في حجمه وطوله، لتقول إن الصحافة لم تكن منصفة ولم تنشر ردودها على ما ورد في التقرير بشأنها، ولتؤكد أنها تعمل على تطبيق توصيات الديوان بالفعل، وأنها تملك مشروعات قائمة تحت السيطرة، ولا بد أنها ستنتهي للقول بأن وضعها بخير وليست لديها أية تجاوزات أو مخالفات، وأن من الطبيعي أن يحصل إخفاق هنا أو هناك « سنعمل على إزالته في أقرب وقت».
سيتكرر السيناريو نفسه، وسيتسابق السياسيون والمحللون الاقتصاديون لتحليل ما ورد في التقرير « الضخم» من أرقام وإحصاءات، ليكتشفوا بدورهم « بلاوي» لم يكونوا يعرفونها، أو ربما كانوا يعرفونها. وسيتسابقون في التلميح تارة والتصريح تارة أخرى بضعف أداء المؤسسات الحكومية وضعف الرقابة عليها، وضعف الكيانات القائمة على أساسها، وضعف البرلمان وضعف المجتمع وضعف الهواء الذي يتنفسه البشر. وستزداد الضجة أياما، لتزداد حدة التصريحات التي لا بد أن يأخذ بزمام مبادرتها نواب الشعب هذه المرة، ليؤكدوا بأنهم سيضربون بيد من حديد على هذا القصور في الأداء، وليقدموا الاقتراح تلو الآخر، والسؤال تلو الآخر، والمشروع تلو الآخر مستقين كل القضايا من هذا التقرير، ليحيلوه إلى اللجنة المالية في مجلسهم والمثقلة بدورها بتقارير العام الذي قبله والذي قبله. ثم شيئا فشيئا ستخفت الضجة، وترتفع الجعجعة بشأن موضوع آخر أكثر إثارة، لينسى الجميع التقرير وما فيه، بل ويترقبوا التقرير الجديد الذي سيصدر أيضا بعد عام كامل من حصول المخالفات، وانتهائها.
أين هي الرقابة المالية الفعلية التي تستطيع أن تغير الواقع وسط هذه الحلقة المكررة كل عام من التقارير التي تصدر متأخرة ، والإجراءات التي تقتلها، وملاحظات وتوصيات ديوان الرقابة ا لمالية، وردود الوزارات والهيئات الحكومية» المقنعة والمنمقة» على كل تلك الملاحظات.
أين هي الرقابة الفعلية والملاحظات هي هي كل عام، وكأن من المفروغ منه أن تكون هناك مخالفات، بل أن وجود تقرير ديوان الرقابة المالية يستلزم وجود مخالفات على الأقل لتملأ صفحات التقرير.
بدأنا منذ اليوم سيناريو هذا العام بشأن تقرير العام المقبل، وقريبا ينتهي السيناريو وينساه الجميع، لينتظر تقرير هذا العام في العام المقبل ليكرر السيناريو نفسه.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ