العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ

“ليس على الكاتب أن يُعرب”

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

ردود متناثرة... في بعض الأحيان يخفق الكاتب في إيصال الرسالة إلى جميع القراء، كما في أحيان أخرى، يخفق القارئ في فهم الرسالة. وبذلك يتم فهم ما يكتبه الكاتب بشكل مغاير لما أراد أن يقوله، أو يتم تأويل ما يكتبه بحسب المزاج العام السائد في الأوساط الاجتماعية.

كتابات متعددة تفهم بطريقة مغايرة للمقصود. ذات مرة، كتبت عن مثلا شعبيا بحرينيا (ما يطفح إلا اللوح)، فكتب أحدهم بأن المقصود فلان، وكتب آخر بأن المقصود فلتان. المهم، كلٌ يأتي بتأويل يتناسب وخصومته السياسية أو يتوافق مع إيديولوجيته وتربيته الدينية أو الحزبية أو رؤيته للحياة، حتى وإن كان الكاتب لا يعني فلانا أو فلتان، وإنما هو (الكاتب) يكتب عن حالة مغايرة أو ظاهرة عامة ليس إلا!

في إحدى المرات، استعرضت مشروع النهضة للمفكر جاسم سلطان، فكتب أحدهم تحت اسم مستعار «مدرس»: اتحداك أنك تفهم ما كتبته! قرأت ذلك وأنا أضحك، وقلت: اتحداك أنت يا “مدرس” أن تكون فهمت ما استعرضته في المشروع.

وفي ذات يوم، كتب أحدهم بأن قلبك مليء بالحقد وأنك مخالف لطريق الحق. وقفت قليلا أمام تلك العبارات، ووجدتها تتكرر في أوساط المنتديات الإلكترونية. وهذا سلوك خطير يؤدي بنا إلى النظر لكل نقد على أنه حقد وحسد وضغينة! في حين أن هناك فرقا كبيرا بين أن يكون النقد شتما وسبا وتجريحا وبين أن يكون لاذعا أو وخزا مؤثرا وذلك يعتبر نقدا بناء؛ وإن كان قاسيا. ولدى البعض، يعتبر كل من ينقد أداء لمؤسسة حكومية أو خاصة هو حاقد أو خارج على الحاكم! بينما الملك ورئيس الحكومة -حفظهما الل ه- يشجعان الكتاب والصحافيين على القيام بمسئولياتهم ومهامهم وممارسة النقد!

في بعض الأحيان يكون الكاتب ضحية الحوادث التي تجري بصورة متسارعة على الساحة المحلية والإقليمية والدولية. إذ يرسل للصحيفة مقالا يوم السبت للنشر يوم الاثنين، ويوم الأحد تكون كارثة معينة، فيكون الكاتب وكأنه في واد والدنيا في واد آخر، وبذلك يصبح الكاتب ضحية الحوادث!

وفي أحيان أخرى، يكون الكاتب ضحية الثأر السياسي بين أطراف اللعبة السياسية. فيتم استخدام الأطراف السياسية لنقد الكاتب على أنه مؤيد لتوجهها ومواقفها، في حين أن ما يكتبه الكاتب ذاته نقدا لموقف ذات الطرف لا ينشر ولا يتم تعميمه! وبالتالي، يظهر ما كتبه الكاتب وكأنه دائما موافقا لرأي هذا الطرف السياسي ومناقضا لرأي طرف سياسي آخر.

أخيرا، قد يقع الكاتب ضحية جهل القارئ، فالكاتب يتابع الأحداث بشكل يومي ويتكون لديه خزين معلوماتي ضخم ويحاول إعادة القراءة مرات ومرات ويفك ويركب الحوادث والسيناريوهات، ويربطها بدروس وعبر التاريخ، إلا أن القارئ العادي - وليس القارئ المحترف - هو يقرأ فقط. لذلك حينما كتبت عن خطاب سيد المقاومة حسن نصرالله للعراقيين بشأن الجلوس مع الرئيس صدام حسين إبان فترة حكمه، رفض قطاع عريض ذلك الخطاب. بعضهم قال: السيد قال خلاف هذا الكلام، وآخرون قالوا: السيد قال الكلام ثم تراجع عنه، وغيرهم قالوا: اتق الله، إنه لم يقله إطلاقا. وكما مر بنا، لم يتفق القراء على رأي، وبالتالي، فيهم من هو على صواب ومن هو على خطأ، واستحالة أن يكونوا في المعرفة سواء!

في النهاية “ليس على الكاتب أن يُعرب”، وأن يفسر جميع ما يكتبه، ولكن على القارئ أن يتابع ويتأنى في القراءة ويطالع في الكلمات، ويبتعد عن الخلفية الذهنية السابقة، ويعطي رأيه فيما هو أمامه بصدق ويضع نفسه مكان الكاتب دائما، و”ألتمس لأخيك سبعين عذرا”!

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً