العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ

حروب النفوذ وراء معاقبة «بي بي» (1/4)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أكدت الحكومة الأميركية أن شركة بريتش بتروليم (BP) العملاقة للنفط وافقت على دفع 373 مليون دولار كغرامة لوقوع انفجار مدمر في مصفاة تكساس لتكرير النفط فيما يعد انتهاكا لقوانين البيئة والتورط في عمليات احتيال.

وأوضحت وزارة العدل الأميركية أن التسوية التي تمت مع الشركة البريطانية هي أكبر غرامة جنائية على الإطلاق، وأن الغرامات الأخرى تتعلق بحدوث تسرب من خطين لأنابيب النفط العام 2006 في خليج برودهوي بولاية آلاسكا.

وتتضمن الغرامة مبلغ 50 مليون دولار لتعويض ضحايا الانفجار الذي وقع في مارس/ آذار العام 2005 في مصفاة للنفط بولاية تكساس الأميركية، وأسفر عن مقتل 15 فردا وإصابة نحو 180 آخرين بجروح. وتعد المصفاة التي وقع بها الانفجار ثالث أكبر مصفاة لتكرير النفط في الولايات المتحدة، وتنتج 460 ألف برميل من الوقود يوميا، وهو ما يشكل 3 في المئة من الاحتياجات الأميركية. كما تتضمن الغرامة أيضا مبلغ 303 ملايين دولار عن اتهامات بالتلاعب في الأسعار في سوق «البروبين» في الفترة من أبريل/ نيسان 2003 إلى فبراير/ شباط 2004، والتي أدين بسببها أربعة من موظفي الشركة.

وفي السياق ذاته وصفت وكالة حماية البيئة ما قامت به شركة «بريتش بتروليم» بأنها جرائم بيئية خطيرة في اثنتين من أكبر الولايات الأميركية، وذلك في أشارة إلى ولايتي تكساس وآلاسكا.

وتأتي هذه التطورات بعد وقت قصير من إعلان المدير التنفيذي للشركة توني هيوارد خططا لإعادة هيكلتها لرفع مستوى أدائها. وكان هيوارد تولى رئاسة الشركة في مايو/ أيار 2007 بعد تنحي رئيسها السابق اللورد جون براون إثر فضيحة شخصية.

وكانت شركة بريتش بتروليم قد أعلنت عن ارتفاع أرباحها بنسبة 15 في المئة العام 2006 إلى 22.3 مليار دولار على رغم انخفاض أرباحها خلال الربع الأخير من العام الماضي بنسبة 12 في المئة بسبب انخفاض أسعار النفط وزيادة نفقات الشركة لضمان أمن وسلامة منشآتها. وبلغت أرباح الشركة خلال الربع الأخير من العام الماضي 3.9 مليارات دولار بانخفاض بلغت قيمته 4.4 مليارات دولار عن الفترة نفسها من العام 2005.

وعززت الشركة إجراءات الأمن والسلامة بعد تعرضها لانتقادات حادة في تقرير أميركي صدر في سبتمبر/ أيلول 2007 بسبب ممارسات العمل ومستويات السلامة بمنشآتها إثر وقوع الانفجار الكبير بمصفاة تكساس سيتي. وفي مطلع هذا الأسبوع أعلنت الشركة أن أرباحها السنوية للشركة انخفضت بنسبة 45 في المئة بسبب مشكلات في قطاعي الإنتاج والتكرير. فقد بلغت أرباح الشركة خلال ثلاثة أشهر تنتهي بنهاية شهر سبتمبر/ أيلول مبلغ 3.88 مليارات دولار مقابل أرباح بلغت 6.98 مليارات دولار في الفترة نفسها من العام الماضي.

من السهولة بمكان أخذ تلك العقوبات الأميركية على أنها إجراءات محض قضائية هدفها إنصاف ضحايا انفجار تكساس وحماية الحياة البيئية في الولايات المتحدة. لكن العلاقات النفطية وحروب أسواقها تدفعنا نحو المزيد من التمعن من أجل فهم تلك الدوافع الأميركية، التي يصف وضوح تجدرها في صلب قرارات الإدارة الأميركية الرئيس الأميركي السابق فرانكلين روزفلت عندما قال: «أزمة هذا البلد أنك لا تستطيع الفوز في الانتخابات من دون تكتل شركات النفط، ولا أنت تستطيع ممارسة الحكم معها». وتأقلمت تلك الشركات النفطية مع التطورات التي شهدتها الأسواق النفطية خلال القرن الماضي ومطلع هذا القرن، من دون أن تفقد نفوذها ومصالحها الكبرى بل كانت هي الرابح الوحيد فيها.

ولوضع قرار العقوبات الأميركي في إطاره الصحيح، الأمر الذي سيساعدنا على فهم ما يجري الآن من حروب وغزو تحت مبررات لم يصدقها أحد، وللتدليل على كل ما قلناه، نعود لتقليب صفحات القرن الماضي لنقف على بعض المحطات الدامية التي خاضتها شركات روكفلر وشل وبريتش بتروليم النفطية، تحالفا وتنافسا وتآمرا.

فعندما تمكنت شركة روكفلر ستاندرد أويل من بسط نفوذها على معظم الحقول التي كانت تسيطر عليها شركة شل الملكية الهولندية في جنوب آسيا، وما تلا ذلك من هزيمة اليابان العام 1945، وتنصيب الجنرال الأميركي دوغلاس ماك آرثر حاكما عسكريا عليها، لم يكن عجيبا ولا غريبا أن يتم حينها تعيين لورانس روكفلر أحد الأبناء الكبار لجون روكفلر نائبا له، لكن الغريب أن يستهل هذا النائب مهماته بتقديم مساعدات كانت عبارة عن شحنات أسلحة إلى فيتنام أطلق عليها آنذاك «مبادرة حسن النية». ولم يعرف في ذلك الوقت سبب هذه الهبات ولا أهدافها وأبعادها لبلد كفيتنام الذي كان آنذاك مستعمرة فرنسية فقيرة وبعيدة عن اليابان ولا أهمية لها من الناحية الاستراتيجية، لكن الذين عادوا للتقليب في الملفات القديمة لعلهم يجدون جوابا مبثوثا في قلب التاريخ عن النية الحسنة الأميركية، وجدوا أن الجواب عن هذه الأسئلة لا يخرج عن دوائر النفط ولا عن مسرحها، ففي العام 1920 قدم هوفر هيربرت دراسة تقول إن أكبر الاحتياطيات العالمية من النفط مدفونة تحت سواحل الهند الصينية التي أصبحت تعرف فيما بعد بفيتنام.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً