تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2006 يستحق التقدير والاحترام، ويُعتبر واحدا من الإيجابيات التي تفخر بها التجربة السياسية البحرينية. ديوان الرقابة يدخل تحت إشراف الديوان الملكي، وجلالة الملك هو مصدر صلاحياته، وبالتالي إنّ التفاصيل التي وردت في التقرير تُعدّ جريئة بالمقاييس البحرينية التقليدية، وهي بذلك تؤكّد صدقية ديوان الرقابة والقائمين عليه.
نعم في بلدان أخرى، إنّ ديوان الرقابة ينضوي تحت البرلمان، ولكنّ قناعتي أنه بحسب المحاصصة الخانقة داخل مجلس النواب، فإنّ تقرير الرقابة بهيكليته الحالية أكثر فاعلية وأكبر جدوى من أيّ ترتيب آخر تحت قبة البرلمان الحالي، وهذا حديث يؤسفني قوله، ولكن واقع الحال بالنسبة إلى مداولات النواب تؤكّد للمراقب أنّ الكتل منشغلة بموضوعات المحاصصة في النفوذ وتسجيل النقاط أكثر من اهتمامها بالجانب الرقابي.
هذا الحديث ليس خافيا على أحد، ولو نظرنا إلى ما يطرحه بعض النواب تجاه وزارة الصناعة والتجارة - مثلا - فإنّه من الواضح أن هناك حسابات أخرى تلعب دورها في الحديث عن مرسى البحرين. ونرى أيضا أنّ المنتخبينَ (في النواب والبلديات) وقعوا في فخ المحاصصة في النفوذ؛ ما يمنعهم القيام بدورهم بصورة أفضل. وهذا ينطبق على البلديين الذين عارضوا مشروعا استثماريا في «الشمالية» العام الماضي، ويعارضون مشروع الأسمنت حاليا في المحرق... ففي كلتا الحالتين يبدو أن هناك أمورا أخرى تدفع باتجاه طرح الرأي المناكف.
في ظل هذه الظروف الصعبة يخرج علينا تقرير الرقابة المالية الذي يعطينا تفاصيلَ عن وزارات ومؤسسات تعتمد على المال العام، ويؤشر على محاورَ مهمّة يتوجّب تفحص ما يدور حولها. وكان تقرير الرقابة للعام الماضي قد أشار إلى تجاوزات في شركة «ألبا» واكتشفنا حقيقة الأمر قبل فترة وجيزة، كما تحدّث التقرير السابق عن مشكلات جمع في مياه الصرف الصحي، واكتشفنا الأمر أيضا هذا العام... والتقرير الذي صدر الأسبوع الماضي تطرّق إلى قضايا مهمّة جدا تتعلق بوزارة المالية وبابكو وألبا وبناغاز ومياه الصرف الصحي والبيئة وحلبة البحرين والحرس الوطني والمستشفى العسكري وخصخصة الكهرباء والصحة والتقاعد والتأمينات والأملاك الحكومية وتحصيل الديون واختلاسات أموال الأمانات في الصناديق التي تقع تحت إشراف وزارة العدل... إلخ.
يأتي ديوان الرقابة المالية لهذا العام ليؤكّد النهج الذي اعتمدته القيادة السياسية للكشف عن مواقع الفساد أو الخلل، حتى لو قلنا إنّ ما كشف كان قليلا، ولكن المقارنة نسبية، وهي كثيرة مقارنة بالماضي، وهي خطوة إلى الأمام نأمل في أن توصلنا مستقبلا إلى مستويات أعلى في المحافظة على الثروات بكلّ أشكالها.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ