العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ

الشعرة الفاصلة بين «الإسفاف» والمعالجة الدرامية الصحيحة لسلبيات المجتمع

«قضية رأي عام» و «لحظة ضعف» مثالا

لسنا في مقام توجيه أصابع الاتهام إلى الشخوص أو التصفيق لشخوص أخرى بقدر ما نرنو إلى استقراء سريع لا يخلو من النقد البنّاء لنموذجين فنيين ولاسيما مع علو أصوات منادية بشعارات براقة لا يختلف عليها اثنان تركز على ضرورة كشف سلبيات المجتمع والتطرق إلى قضاياه العالقة التي لم يُرْفَع عنها الغبار وعدم التقوقع بحجة «تعرية المجتمع». أصوات من شانها أن تستفزك ولاسيما إن كانت تتبجح متفاخرة تارة وترفع قبضة يدها معلنة انتصارا «مفتعلا» تارة أخرى.

يقال إن هناك شعرة رقيقة تفصل التضاد من شأنها أن تقلب الفكرة رأسا على عقب (المجنون والنابغة والواقعية والخيال)، فدلع هند رستم لا يمكن مقارنته إطلاقا بما تعمد إليه فنانات اليوم وهي الحال بين معالجة كل من الفنانة المصرية يسرا في مسلسلها الذي عرض في شهر رمضان «قضية رأي عام» والذي حصد أعلى نسبة إعلانات امتدت إلى 20 دقيقة ومسلسل الفنانة زينب العسكري في «لحظة ضعف» بعض قضايا المجتمع الحساسة.

علّ أيسر رد يلجأ إليه طاقم أي عمل فني لحفظ ماء وجهه ولاسيما مع تيقنه بثبوت خطئه في قرارة نفسه إلقاءُ الملامة على الناقد واتهامه بعدم التمسك بأخلاقيات المهنة تارة والتملص من أخطاء مجتمعية وادعاء الكمال والأفلاطونية تارة أخرى.

على عجالة، يمكننا مقارنة المسلسلين وللقارئ حق الحكم. نحن في عصر التخصص لذلك كسب مسلسل «قضية رأي عام» ورقة رابحة في هذا الصدد، إذ دارت حلقاته الثلاثون حول قضية واحد وهي «قضية الاغتصاب ونظرة المجتمع إليها» في الوقت الذي جاء مسلسل العسكري عائما متخبطا فمن قضايا التسول إلى الدعارة والسرقة والمخدرات.

تاهت الفكرة في مخيلة العسكري، وعلّها أخفقت إخفاقها الثاني في اختيار طاقم عملها مع أننا من مؤيدي تشجيع الوجوه الشابة فإن طاقم عملها أنقسم 3 فرق، فريق يمتلك خامة قوية ويفتقر الدور المناسب مثل «بويوسف» وفريق لا يمت للتمثيل بصلة من قريب أو بعيد كزوجة الفنان غانم الصالح «لمياء» أما الفريق الثالث فقد لعبت العسكري فيه دور البطولة المطلقة لتدور حلقات المسلسل برمته حولها وإن رفضت الاعتراف بذلك.

وفي مقابل ذلك ضم مسلسل يسرا أبرز ما زخرت به الدراما المصرية من ممثلين (سامي العدل، رياض إبراهيم الخولي، سمير صبري، راندا البحيري، إبراهيم يسري، عمر زايد، عمرو محمد عبدالجليل، لقاء الخميسي، أشرف مصليحي، أحمد فاروق فلوكس، ورجاء الجدّاوي) فضلا عن وجوه شابه حظيت بفرصة ذهبية للمثول أمام يسرا لتخطو بذلك خطوات ثابتة إلى الأمام.

أما على صعيد الحبكة فقد كسب مسلسل «قضية رأي عام» ورقة رابحة أخرى حينما بدأ أولى حلقاته بعرض ظروف تعرض يسرا وطبيبة أخرى وممرضة لحادث اغتصاب في منتصف إحدى الليالي أثناء عودتهن من نوبة عمل طارئة في الوقت الذي بدأت العسكري حلقاتها مبهمة وغير مقنعة في أحد فصول محو الأمية.

لم يغمس مسلسل «قضية رأي عام» رأسه في الرمال بَيْد أنه أخفق في ادعاء المثالية في تطبيق القانون فالمتهم الأول في قضية الاغتصاب لعبه دور ابن الوزير الذي يفشل في استغلال علاقاته الشخصية لإنقاذ ابنه.

قال من قال إن بعض مسلسلات شهر رمضان الكريم تنقل واقعا مجتمعيا وتحاكي مختلف فئاته، فأين تنوع تلك الفئات في «لحظة ضعف»؟ هل المجتمع البحريني هو زمرة من فتيات اللهو والمتسولات أو حثالة من السكارى وعبيد للشهوات؟ وإن كنا محظوظين بوجود بعض الشخصيات البريئة الطيبة الخيرة في المسلسل والتي أحاطتها العسكري بالسذاجة والبلاهة كشخصية والديها وزوجة بويوسف.

في الوقت الذي ضم مسلسل يسرا شرائح المجتمع كافة فالمتهمون الثلاثة مثّلوا ثلاث طبقات متباينة جمعت بينهم قضية واحدة فابن الوزير وابن العائلة المستورة المحترمة وابن عامة الشعب وطبقته الدنيا واجهوا رئيسة قسم الأطفال في أحد المستشفيات الحكومية والمدرّسة الفاضلة في إحدى الكليات وممرضة من عامة الشعب وطبيبة مبتدئة من أصول صعيدية محافظة.

كما جاء نقل طبقات المجتمع واقعيا بوجود من ينظر إلى من تم اغتصابها على أنها مذنبة تستحق الوأد وآخر يطلق عليها لقب «الضحية» فبين متملص وخَجِل وناقم لمسنا كثيرا من الواقعية التي افتقر إليها مسلسل العسكري الذي أجمع على اتسام شخصها بالقوة والكمال والجمال.

سهام أخطأت الهدف

علّ متابع مسلسل «قضية رأي عام» لا يختلف معي في أن حادث الاغتصاب يجعلك تفتح فاك لتعيش اللحظة من دون أن يخدش المضمون حياءك أو تجبر على أن تشيح بصرك كما هي الحال في مشهد «يوسف» في إحدى شقق الدعارة أو مشاهد الرقص.

لربما أرادت العسكري توجيه سهم إلى أعضاء مجلس النواب منتقدة أداءهم غير أن سهمها أخطأ الهدف فلم يتعرض لقضية واحدة على أقل تقدير من قضايا مجلس النواب على حين أخطأ سهم يسرا في ماكيير حال الاغتصاب.

سهم آخر شط بعيدا للعسكري في اختيار بيوت المتسولات فضلا عن هندامها شخصيا الذي لم يتغير على رغم تغير الظروف فبانت جميلة مشرقة في جميع الحلقات.

نحن من المتيقنين بدور وسائل الإعلام في حلحلة القضايا وإخراجها من الأدراج المقفلة، إلا أن هذا العرض لابد أن يدعّم بطرح الحلول وإلا بات عملا باهتا ولا يعد أكثر من كونه فرقة إعلامية وموج بحر مهما اعتلى فسرعان ما يذوب، وهنا يطرح السؤال نفسه: أين حلول العسكري للقضايا التي رأت أنها واقع في المجتمع البحريني؟ يجدر بالمشاهد الوقوف عندها من دون خجل أو مكابرة!

مضمون ضم الغث والسمين بلا فائدة وإسدال الستار برسالة واضحة «تنكس الرأس» في الوقت الذي ختمت فيه يسرا مسلسلها بما «يثلج الخاطر». وبمقارنة النهايتين، على رغم أن الخير انتصر في مسلسل يسرا فإن نصره لم يأتِ على طبق من فضة في الوقت الذي جاءت نهاية العسكري مخجلة.

فبين دعوات بشكر الله على نعمة تحقيق العدالة والحكم بالإعدام على ذئاب بشرية وسط دموع متحسرة من أمهاتهن وأخرى فرحة بالنصر، أطلت العسكري بشعر أصفرَ مستعار لتقول «بالفم المليان» إن لكل إنسان نقطة ضعف تبرر خطاياه، وللقارئ حق الحكم.

العدد 1877 - الجمعة 26 أكتوبر 2007م الموافق 14 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً