لا أظن أنه من قبيل الصدفة، أن تعصف أزمة خلاف بين الحكومة والبرلمان في الوقت ذاته وفي البلدين الخليجيين الوحيدين اللذين لديهما مجلسان تشريعيان منتخبان! ولربما لو كانت هناك دولة خليجية ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة لديها برلمان منتخب... أقول لربما... وجدنا دول الخليج كلها مشتعلة لخلافات بين الحكومات وبرلماناتها ولربما في التوقيت ذاته أيضا، والسبب في ذلك كله من وجهة نظري المتواضعة، هو لأننا لسنا «ديمقراطيين» ولسنا سوى «حمالية» لشعارات الديمقراطية وحسب، وأرجو المعذرة لاستخدام هذا التعبير!
وبالطبع، ليست الأزمات التي تعصف بين الحكومتين والبرلمانيين تظهر فجأة! فهناك تطور مرحلي في الخلاف لكنه سريع، ولا يمكن لأي أحد كان أن ينكر نضج التجربة البرلمانية الكويتية وتميزها وسمتها الرئيسة وهي تراكم الخبرة، لكن المشكلة تكمن في (المخفي من أجندات)، سواء كان ذلك في البحرين أو في الكويت، وغالبا ما تكون بدوافع صدامية بين الجهتين تارة، ولأسباب طائفية تارة أخرى، ولوجود أطراف تريد حقا إزهاق روح الحياة النيابية.
وفي الأزمتين، ومن حسن الطالع، أن الحكومتين البحرينية والكويتية، أثبتتا أنهما قادرتان على احتواء مثل هذه الخلافات والأزمات، فيوم الثلثاء الماضي، وفي زيارة مفاجئة قام بها رئيس الوزراء سمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة إلى مجلس النواب، كان يوما مهما قطع الكثير من نزاع القوم والمخاوف التي ظهرت في غضون الأسبوعين الماضيين والتي وصلت لدى البعض إلى وضع احتمال حل البرلمان بسبب تغيب الوزراء عن حضور جلسات المجلس وبسبب أيضا الأداء البرلماني المترهل، وقد أعلن سمو رئيس الوزراء أنه ليس هناك أي قرار بعدم حضور الوزراء جلسات المجلس...
إذا، وضعت زيارة سمو رئيس الوزراء النقاط على الحروف، ولا يمكننا إلا أن نراقب دور الانعقاد كاملا لنعرف النتائج.
أما في دولة الكويت، فقد تعقدت الأزمة السياسية بعد رفع استقالة الحكومة إلى سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد إثر مواجهة مع مجلس الأمة على خلفية السماح للسيدمحمد باقر الفالي، المتهم بشتم الصحابة، إلى البلاد، والمطالبة باستجواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الأحمد، فقد انسحب أعضاء الحكومة من جلسة يوم الثلثاء الماضي، لكن سمو الأمير قرر تأجيل النظر في قبول استقالة الحكومة.
خلاصة القول تنضوي تحت هذا التساؤل: «هل يعقل أن يكون مصير العمل البرلماني في البحرين والكويت واقعا تحت احتمال (الحل) أو (تجميد الدستور)؟»، وإذا أردتم إجابتي فسأقول: طالما أن هناك عدم توافق وتفاهم بين الحكومة والمجلس التشريعي، وطالما هناك تغييب قسري للمصلحة الوطنية، فستكون هذه الأزمات مستمرة، ولن ننال نحن كمواطنين، سوى المزيد من الإحباط وستذهب أحلامنا في التنمية والرفاهية وتحسين مستوى المعيشة وتطوير التشريعات والأنظمة أدراج الرياح. لكن لابد من القول: إن مبادرة سمو رئيس الوزراء، أزالت الكثير من الغموض وأزاحت الكثير من التكهنات والمخاوف المحيطة بالتجربة البرلمانية، وهذه مبادرة تحسب لسمو رئيس الوزراء في وقت أصبحت فيها الملفات في البلد متشعبة ومعقدة تعقيدا لا يمكن فكه بسهولة...
ويبقى الأمر مرهونا بما ستأتي به الأيام المقبلة.
بعيدا عن الأزمات
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ