العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ

مَأتمٌ مفتوح

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قال لنا السيد عبدالعزيز الحكيم (عافاه الله) إن فَدْرَلَة العراق هي أمانٌ من الفُرقة، ثم وجدنا الصراع يحتدم بين مشروعين، الأول بين إقليم جنوبي وسطي مُوسّع يضم 9 محافظات يقوده المجلس الأعلى، وبين إقليم بمحافظة واحدة (البصرة) يقوده النائب وائل عبداللطيف بدعم من حزب الفضيلة.

ثم قال لنا السيد نوري المالكي إنّه جيّشَ الجيوش في حملة الفرسان في البصرة ومدينة الصدر للقضاء على المجاميع الخارجة عن القانون والمنافسة للدولة، لكننا نراه اليوم يُدعّم من مجالس الإسناد في المناطق ذاتها التي نكّبها قبل أشهر.

ثم قال لنا علي الدبّاغ إن الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة والعراق لا تربط بقاء القوات الأميركية في العراق بالوضع الأمني على الأرض، لكن رئيس أركان الجيوش الأميركية الجنرال مايكل مولن قال يوم 18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري إن: «انسحاب القوات الأميركية من العراق مازال مرتبطا بالأوضاع على الأرض».

ثم قال لنا الائتلاف العراقي المُوحّد إن الدستور العراقي الذي تمّ التصويت له في أواخر العام 2005 هو يمثّل تطلعات كل العراقيين، ثم تبيّن أنه لا يُمثّل سوى تطلعات قوى سياسية. بل إن لجنة تعديله احتاجت للجان تكميلية وصياغية وسياسية وعدّلت لحدّ الآن 50 مادة دستورية لكنه وإلى الآن لم يصل إلى نقطة توافق وطني.

لا أدري من أين تستقي الأحزاب العراقية ثقتها ونرجسيتها؟ هي تُجزِم بأنها قادرة على ضمان نتائج تجارب الحكم المُفَدْرَل، وقادرة على إلزام الأميركيين بالخروج من العراق قبل نهاية العام 2011. وقادرة على كبح الجموح الطائفي في المحافظات المختلطة، وقادرة على ضمان أمن حدودها مع دول الجوار، وقادرة على كل شيء! إن ما يقولونه مُستهجن حقا.

الأمر الأكثر إلحاحا اليوم بالنسبة للعراقيين (بدل التباهي) هو معالجة التنمّل المذهبي الفاقع الذي هم متورطون في تفصيلاته. أقول تنملا وأنا أعلم أنه تنعيم سيئ لما يجري. لأن ما يجري ليس تنملا فقط وإنما وجع مُزلزل في النخاع.

الخطر الأكبر اليوم في بلاد الرافدين هو في تنبّه الشيعة العراقيين إلى أنهم شيعة، وتنبّه السُنّة العراقيين إلى أنهم سُنّة. ثم ليس التنبّه فقط، وإنما في أخلاقيات ذلك التنبّه ومساراته المُثلّمة.

أيام البعث الزائل كان الشيعة يرفعون المِجْلَد من كثرة المصاب. وكان السُنّة يُعَنْوَنُ بهم شكل الحُكم وهم من ذلك براء. ولم يكن وجود أكثر من 68 في المئة من الشيعة في تشكيلات حزب البعث بقادرة على وصمه بالحزب الشيعي.

ولم يكن انتساب صدام حسين ومعه عدد كبير من قيادات نظامه إلى السُّنّة ومناطقهم قد حوّل ذلك النظام إلى نظامٍ مذهبي ذي صبغة سُنّية، حتى بعد اعتماده الحملة المؤمنة في منتصف التسعينيات.

أما اليوم فيكفي أن ترى لوحة معدنية لإحدى السيارات (نجفيّة كانت أو أنباريّة) لكي تفهم أدقّ تفاصيل التمذهب الطائفي. بل يكفي أن تضع شارة عليها صورة الكعبة المُشرّفة لكي يُفهم بأنك سُنّي، أو أن تضع سترة مخمليّة عليها صورة مرجع تقليد لكي يُمهَر عليك التشيّع.

بعد سقوط بغداد تبيّن لي جيدا أن الديمقراطيات وإعادة تهذيب الدول لا تتحمّل - ومعها الأفكار أيضا - أن يُبذل في سبيلها ما هو أغلى منها ثمنا، فتصبح آثمة ما بقيت يتندّر بها الناس.

وقد تنعقد نطفة الديمقراطيات وتُولد ثم لا تنمو ولا تزدهر بل تأفل وتتحجّر من دون أن تؤدي وظيفتها المفترضة بسبب الديون التي تراكمت نتيجة ثمنها الجنوني المُحصّل من لحوم ودماء وأعراض البشر

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً