ليس شعب البحرين صنفا خالصا من الملائكة، وليس المجنّسون الجدد أصنافا من الشياطين. وكما يخرج من بين إخواننا المجنّسين قتلةٌ ومجرمون، يخرج من بيننا أيضا مجرمون وسرّاقٌ ومدمنون وتجّار مخدّرات. ومن الجيل البحريني الجديد خرجت شراذم متوّرطة في أخس أنواع التجارة... الجنس والدعارة وبيع الأجساد.
من هنا، يجب ألا تنحرف بوصلة النقاش العام ونحن في صدد مناقشة قضية مصيرية كالتجنيس، فنسقط في الأحكام المسبقة ونصبح أسرى للانفعالات اللحظية والتفكير بصورة عنصرية.
نحن ننتقد سياسة التجنيس بكل وضوح، لأنها قائمةٌ على أساسٍ خاطئ، ولأهدافٍ غير عادلة، ويتم تنفيذها بأساليب لا تتوافق مع قيم العصر. ويكفي للدلالة على خطلها أنها من أجل إحداث نوعٍ من التوازن «الديمغرافي» للتأثير على نتائج الانتخابات النيابية، أغرقت البلد بربع مليون شخص من مختلف الجنسيات والألسن والبيئات.
المجنّسون ليسوا سواسية، فهم كالبحرينيين تماما، ليس على رؤوسنا ريشةٌ، وليس على رؤوسهم عُرفٌ من النار. فمنهم الصالحون ومنهم دون ذلك، ومن الخطأ معاملتهم ككتلةٍ بشريةٍ واحدةٍ مستهدفةٍ بالأحقاد. ومهما اختلف البحرينيون على التجنيس، فلن يختلفوا على ضرورة الالتزام بالضوابط القانونية، وإذا ثبت أن القانون الحالي لا يلبي مصلحة البلد، فلابد من سدّ الثغرات وإجراء تعديلات تحفظ حقوق المواطنين وتراعي المصلحة الوطنية العليا، بعيدا عن التجاذبات السياسية.
الخروج من هذه «الورطة» (التي ثبت أنها خازوقٌ كبيرٌ) تحتاج إلى رؤيةٍ وطنيةٍ رسميةٍ وشعبيةٍ مشتركة، بدل بقائها في الظلّ تتحكّم فيها بعض مراكز القوى الخاصة، والقوى السياسية المستفيدة من هذه الآلام. فالوضع لا يعِدُ إلاّ بمزيدٍ من الآلام، وإذا كان الكلّ بدأ يستشعر بوطأة التجنيس الآن على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فإن المستقبل القريب جدا، سيشهد تداعياته أمنيا وسياسيا.
هذه المجموعات البشرية الضخمة التي نُقلت من بيئةٍ جغرافيةٍ إلى بيئةٍ أخرى غريبةٍ عنها، ستجد نفسها في طليعة الأحداث بعد عشر سنوات... ليس أكثر. فهذه الكتلة البشرية بحكم ارتفاع مستوى الخصوبة في غالبية شرائحها، سترفع نسبة النمو السكاني كثيرا، ما يعني مزيدا من الضغط على الخدمات والمرافق والموارد العامة. نحن لا نقرأ الفنجان، ولكن هذه هي النتيجة الحتمية لسياسة التجنيس لأهدافٍ سياسيةٍ قصيرة النظر، وهي لا تحتاج إلى ذكاءٍ صناعي خاص!
القضية خطيرة، وتهمّ جميع البحرينيين، والممالأة والمداراة لن تجلب إلا مزيدا من المعاناة وتدهور المعيشة وتوسع دائرة الفقر. ستقرأون اليوم أول بيانٍ غاضبٍ من كتلة الأصالة لانتهاك عذرية أحد فتيان الرفاع، لكن الغضب لا يحلّ المشكلة، والمعالجة يجب أن تأخذ طريقها نحو المساءلة والتشريع، فالقضية ليست مجرد انتهاك شرف شابٍ على بشاعتها ولا أخلاقيتها، وإنما القادم في المستقبل أعظم.
القضية خطيرةٌ وتحتاج إلى رؤيةٍ وطنيةٍ ناضجةٍ ومسئولةٍ، وليس إلى إثارةٍ عاطفيةٍ وتناول سطحي على طريقة: هل كان الاعتداء على الشاب كاملا؟ فإذا عرفنا أنه كان كاملا والألم فظيعا بدأنا بإصدار البيانات الغاضبة. ما هكذا تعالج القضايا الكبرى، وإذا أردتم أن يحترمكم ناخبوكم، فانسوا حزبياتكم مرة واحدة وناقشوا بموضوعيةٍ ونزاهةٍ وطنية، ما طرحته زميلتكم «الوفاق»، من اقتراحات لتعديل القانون الخاص بمنح الجنسية من الأساس، بما يحفظ حقوق ومصالح الشعب جميعا، بعيدا عن الخنادق الطائفية والعنصريات
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ