ثمة ظاهرة واضحة ومتأصلة، بل نعمة كبيرة وسلوك متقدم تعيشه غالبية مجتمعنا البحريني، ألا وهو نعمة التآلف ومشاركة الآخرين سراءهم وضراءهم، وكذلك التواد بين فئاته ومستوياته وشرائحه المختلفة.
يلحظ ذلك بوضوح عن إصابة أحد أفراد هذا المجتمع بمكروه، أو تعرض واحد منا - لا سمح الله - لفقد عزيز لديه، أو غير ذلك؛ ما يؤكد بشكل عملي وحدة الصف عندنا إلى حد كبير، ولله الحمد.
هذه الظاهرة السلوكية ليست وقفا على مجتمع البحرين وحده، بل إنها تتسع لتشمل دول الجوار وسواها، إذ نلحظ في هذه الدول التآزر المادي والمعنوي؛ ما يخفف حدة الألم وقوة الظروف ويقوي الأواصر بين الأفراد.
إن هذه الظاهرة الإيجابية تعتبر - من دون شك - من أصول ديننا الإسلامي، الذي تحمل تعليماته الحث على التعاون بشتى صوره، وهي التي دعت وحثت على عيادة المرضى وتشييع الموتى، وتقديم العون إلى من يحتاج إليه، والتآزر عند الضيق؛ ما يخلق مجتمعا متحابا قويا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.
إنها نعمة كبرى نشكر الله عليها ونتمنى استمرارها وتطويرها، ولكن... على رغم وجود هذه الظاهرة الحميدة في مجتمعنا - ظاهرة التضامن - يوجد بعض الأفراد والأماكن تنعدم الصلات فيها انعداما شبه تام، فالجار لا يعرف جاره الآن والجيران يعيشون العزلة المجتمعية التي تميت المجتمعات معنويا.
ومن المألوف أن نرى علاقات الأسرة الواحدة تضعف وتضعف؛ نمط الحياة الجديد الذي عمل على توزيع العائلة الواحدة في أكثر من مكان؛ ما ساعد على إضعاف العلاقة وقلة التواصل، حتى تتقطع بشكل شبه نهائي وهذا ما يؤسف له حقا.
إن كل فرد من مدعو إلى الأخذ بزمام المبادرة لتجسيد التضامن على صعيد التطبيق والعمل، فهذا الفرد مهما بلغ في حاجة إلى صديقه وإلى جاره وإلى ابن مدينته أو قريته، فقد رؤي أن فردا دعا عند رسول الله (ص) قائلا: “اللهم اغنني عن جميع خلقك” فقال له الرسول (ص): “لا تقل ذلك بل قل: اللهم اغنني عن شرار خلقك، فالفرد لا يستغني عن إخوانه”.
إن ما نشهده من “مناوشات” بين بعض الجيران وبعض الأهل، وبين أتباع الملة الواحدة والبلد الواحد سببه الرئيسي الابتعاد عن تعاليم ديننا وتوجيهاته القيمة والانغماس في الحياة المادية والمصالح الشخصية، وهذا يلزمنا إعادة النظر في سلوكاتنا الحاضرة، والاتجاه نحو سلوكات وحياة أفضل.
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 1876 - الخميس 25 أكتوبر 2007م الموافق 13 شوال 1428هـ