فقط أسأل: لماذا لم يجرؤ أحد على التصريح، أو حتى التلميح إلى أن مشروع أمين صالح الشعري أكثر أهمية من مشروع الشاعر الجميل قاسم حداد؟
ما الذي يجعل من مشروع أمين صالح تابعا وغير حاضر خارج دائرة المحلية، وحتى الخليجية؟ هل هو «زهد» الحضور الذي عرف به صالح؟ لولا السنوات الأربع أو الخمس الماضية التي أخذ فيها حظه من الحضور في عواصم عربية مهمة.
هل سيثير مثل هذا التساؤل حساسية ما في استقبال هذه الكتابة. مع علمي أن مثل تلك الحساسية لن تصدر عن قاسم حداد، بقدر ما ستصدر عن مغالين في حبه وحب تجربته التي هي جديرة بذلك.
المتتبع لمشروع أمين صالح القصصي في السبعينيات من القرن الماضي، يمكنه تلمُّس كم هائل ودفق في اللغة هو في الصميم من الشعر. العودة إلى بعض مجموعاته القصصية في الثمانينيات من القرن الماضي تحيلك إلى المستقبل الذي ذهب إليه وقت كتابتها. تقرأ تلك المجموعات اليوم وكأنها كتبت للعام 2030 - على سبيل المثال - مثل هذا التوجه إلى المستقبل، إضافة إلى اتكاء صالح على تعدد في الاهتمامات، وإتقانه الحرفي للغة الإنجليزية التي يحوِّل بعض نصوصها إلى نص في الذروة من اكتنازه اللغوي والشعري؛ إذ الحفر الخلاق في المفردة. ثمة سهر على الجملة وسهر أيضا على الصورة في بعدها المتخيل والماثل، ومرد ذلك اتكاء صالح أيضا وأيضا على السينما باعتبارها حقلا مفتوحا على الأشكال التعبيرية جميعها وتلخصها، ليس باعتبارها لقطة/صورة، ولكن باعتبارها ذلك المزيج المعقد والمتداخل بين الفنون الأخرى. هذا الحقل استطاع صالح أن يرفد به تجربته على مستويات القصة/الرواية/الشعر، في تداخل وتركيبة متماسكة واستحضار واستدعاء لقاموس لغوي غاية في البهاء لا يكاد ينفد.
يظل انفتاح أمين صالح على الخارج - ما بعد الدائرة الإقليمية والعربية - ضمن فعاليات ومؤتمرات ومهرجانات، قادرا على توسيع تلك الدائرة التي بدأ التحرك فيها قبل أربع أو خمس سنوات، ومن ثم اتساع حضوره إلى لغات حية، نصه مؤهل لأن ينقل إليها، ولن نبالغ إذا قلنا: إنه سيأخذ حقه في الحضور اللائق به وبنصه
إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ