في عالم تسوده العولمة وازدياد الاتصالات وتبادل المعلومات، يعيش الرجال والنساء من «العالم الثالث» على تقاطع معقّد من الاستعمار والهيمنة الغربية والتوقعات التقليدية والعادات والتقاليد الدينية. وبصفتي امرأة باكستانية أميركية أجد نفسي أقف عند نقطة حيوية من الخلافات الطائفية والعرقية، وقضيت المزيد من الوقت أفكر كيف يتقبل الرجال والنساء في الدول ذات الغالبية غير المسلمة، ويؤثرون في القيم والتوقعات المجتمعية في أوطانهم الجديدة، على حين يقومون في الوقت نفسه بتشكيل هوية مميزة خاصة بهم؟
قضيت خمسة أشهر في ترينيداد وتوباغو، ابتداء من يناير/ كانون الثاني 2006 أقابل المسلمين هناك عن هذا الموضوع. يقيم في دولة ترينيداد وتوباغو (جنوب منطقة البحر الكاريبي) مجتمع متعدد الثقافات نشط، يُشكل التسامح الديني والثقافي، والاستيعاب جزءا جوهريا حقيقيا منه. يشكل المسلمون نحو 6 في المئة من سكان ترينيداد، ولكنهم يقفون معا مشكّلين قوة جبارة ضمن سكان الجزيرة ذوي التنوع. الديانتان الرئيسيتان هما المسيحية والهندوسية. وهناك تأثير أوروبي قوي في الجزيرة التي استوطنتها القوات الإسبانية والبريطانية والفرنسية أصلا، ولها تاريخ في العبودية وعقود الاستخدام في الأشغال الشاقة، وكلاهما ساهما في التنوع الثقافي للدولة.
في مطلع تسعينات القرن الماضي تم إحضار الآسيويين الجنوبيين إلى ترينيداد خدما ضمن عقود استخدام مجحفة للعمل في حقول قصب السكر والكاكاو. وحافظ هؤلاء العمال الهنود - ومنهم أعداد كبيرة من المسلمين - على معاييرهم الأبوية في النوع الاجتماعي السائدة في أوطانهم. كانت النساء الهنديات مسئولات عن إحياء الثقافة الهندية في المنزل؛ ما أدى إلى إنشاء هوية مسلمة هندية ترينيدادية في النوع الاجتماعي تعتمد على التقاليد الهندية للعمل والأسرة والدين.
واليوم، يشجع مجتمع ترينيداد ذو الأعراق المتعددة مساحة ثقافية فريدة تدمج تقاليدَ متنوعة مختلفة على سبيل المثال. لا يحتفل المسلمون فحسب بذكرى يوم عاشوراء الإسلامي، وهو ذكرى مقتل حفيد النبي محمد (ص)، الحسين - الذي يتحدر منه اسم المهرجان الذي يقام في ترينيداد بهذه المناسبة باسم «هوساي» - وإنما يحتفل به غير المسلمين كذلك.
وينضم السكان من أعراق متعددة، بما فيها الهندوس والكريول والأفارقة والترينيداديون معا للمشاركة في احتفالات «هوساي»، منذ أصبح المستعمرون يحترسون ويتخوفون من الاجتماعات العامة في نهاية القرن التاسع عشر. فقد اعتبر هؤلاء المستعمرون، احتفالات «هوساي» ثورة محتملة وقاموا بمنع إقامة الاحتفال في العام 1884، على حين قام السكان بتحدّي السلطات البريطانية والاستمرار في إقامة الاحتفالات.
أصبحت مناسبة «هوساي» مع مرور الوقت تمثل رمزا لحياة المنفى لكل الجاليات الدينية والعرقية في ترينيداد بصفتها مقاومة ثقافية وتحديا لهيمنة السلطات الاستعمارية. ويشارك غير المسلمين بالصيام الشعائري والنشاطات التطهيرية المتعددة الأخرى إلى جانب المسلمين، بحيث يعترف الجميع بقبول الممارسة الشعبية العامة للتقاليد الإسلامية في المجتمع في ترينيداد ويعطونها الأهمية التي تستحقها.
يتأرجح مسلمو ترينيداد - بوجود هذه التعددية من التأثيرات والعوامل الخارجية والداخلية - بين التأثير على الثقافة المحلية والحفاظ عليها وتحسين هوياتهم. تتحول الهوية والثقافة في هذا المجتمع وتتغيران بشكل مستمر.
أحد الأساليب الأكثر بروزا وظهورا، إذ المرأة المسلمة هي حاملة التقاليد في المجال العام، لبس الحجاب. كان الـ «أورنهي» - وهو وشاح يغطي الرأس - لباسَ الرأس التقليدي لأوائل الخدم المُسْتَعبَدين الذي قدموا إلى ترينيداد وتوباغو. وكان يرتكز بطريقة مبسطة على التقاليد الإسلامية، ولكنه كان متأصلا في العادات الهندية، إذ إن النساء الهندوسيات والمسيحيات كن يلبسنه كذلك.
منذ مطلع تسعينات القرن الماضي، أدت زيادة أعداد المبشرين المسلمين والعلماء من باكستان والمملكة العربية السعودية وإيران، إضافة إلى تزايد أعداد الحجاج المسلمين من ترينيداد إلى مكة المكرمة، إلى ازدياد تبني الحجاب. وقد أصبح الحجاب اليوم يرمز بشكل متزايد، ليس فقط للهوية المسلمة وإنما إلى هوية مجتمعية وسياسية وطبقية كذلك. وتعتبره الكثير من الفتيات المسلمات رمزا يربطهن بتراثهن الثقافي والمجتمع المسلم العالمي. وقد ذكرت طالبة جامعية مسلمة: «عندما ألبس الحجاب أشعر أني جزء من عالم أكبر بكثير من ترينيداد».
تحافظ النساء المسلمات - من خلال لباس معين - على رموز مجتمعهن وديانتهن، إضافة إلى إيجاد هوية تتميز من الثقافة الترينيدادية الإفريقية السائدة والمجتمع القائم. أصبح أسلوب اللبس والموضة أسلوبا للكثير من الفتيات المسلمات يستخدمنه للتنقل والحركة عبر هويات متغيرة. وقد أخبرتني إحدى الفتيات قائلة: «آخذ آخر صرعات الموضة من المجلات ومن التجمعات التجارية، ولكنني أجعلها إسلامية». أحيانا كثيرة تقوم الفتيات المسلمات بتقليد آخر أساليب الموضة الغربية، ولكنهن يلبس قمصانا بأكمام طويلة تحتها، أو يشترين قياسات أكبر لاتباع اللباس الإسلامي المعياري المتواضع. ويُوجِد هذا النوع من السلوك التحاما بين التقاليد الإسلامية والثقافة الغربية الحديثة في ترينيداد.
تشكّل ترينيداد مجتمعا يجري فيه الاعتراف بالتقاليد الدينية والثقافية واحترامها. وقد أوجد هذا النوع من الممارسة مجتمعا مفتوحا ومنفتحا يجري فيه الترحيب بالمسلمين للتشارك في عاداتهم وفي دينهم. لا يمكن إضفاء صفة واحدة مميزة على المسلمين في ترينيداد. ولكنهم - مثل غيرهم من المسلمين في الدول الغربية - يخلقون ويتشاركون بهوية مسلمة ترينيدادية دينامية.
*طالبة سنة رابعة بكلية ترينيتي في هارفورد بولاية كونتيكت، تتخصص في دراسات الشرق الأوسط ودراسات المرأة والنوع الاجتماعي. وهي حاليا تدرس في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1876 - الخميس 25 أكتوبر 2007م الموافق 13 شوال 1428هـ