لاريب في أن محاولات إصلاح التعليم الديني في الحوزة العلمية تفاعلت في مستويات عدة، ومهدت السابقة منها لما يليها، وكلما ارتقت إلى مديات أقصى، صعودا من درجة إلى أخرى، أضحت الدرجة الأدنى من التحديث مألوفة، وانحسر خصومها بالتدريج، بل لطالما انخرط جماعة من الخصوم فيما بعد فيها، وحاولوا تبني مطالباتها بحماس وحرص شديدين. فبينما كانت الدعوة إلى استبدال الكتب القديمة، وتجاوز الأسلوب التقليدي في التعليم، يطرحها الرواد بحذر وخشية مطلع القرن العشرين، باتت اليوم دعوة عادية غير مثيرة، ولا تستفز أحدا، وأخذت تتفشى في أكثر مدارس الحوزة العلمية.
وهكذا يرتاب الناس من كل فكرة جديدة، وربما كانت الأفكار المهمة في التاريخ فضيحة في حينها، إلا أنها بعد ان تحتل موقعها في النسق المعرفي، وتدخل في السياقات الثقافية للمجتمع، تغدو لا غنى عنها.
وفيما يأتي عرض موجز لمستويات تحديث التعليم في الحوزة ودرجاته:
تحديث شكلي
هو أول أنماط التحديث، وغالبا ما يقتصر على الأطر والأشكال، ولا يطمح إلى ملامسة المضامين إلاّ بصورة محدودة جدا، ويسود هذا النمط دعوات التحديث في النصف الأول من القرن العشرين، وقد انحسرت الاتجاهات المناهضة له بمرور الزمن، وأمسى اليوم لا يثير أحدا، فتعامل معه الدارسون على أنه أمر واقع، ولم يشعروا بأنه يتقاطع مع الأساليب والمقررات التعليمية الموروثة.
وقد تجلى هذا النمط التحديثي في الأشكال الآتية:
أ. إعادة تدوين المقررات والكتب المتعارفة للدراسة، بإسلوب حديث يتخلص من الصوغ الكلاسيكي لتلك الكتب المشبعة بالإبهام والغموض، واستيعاب طائفة من الموضوعات الهامشية، والتوسع فيما ينبغي الاختصار والاختزال والتكثيف فيما ينبغي التوسع، والاضطراب المنهجي في ترتيب المسائل. فاهتمت الكتب البديلة بإعادة ترتيب المسائل وفق منهجية أحدث، وتهذيب واستبعاد ما هو هامشي، والتدوين بأسلوب واضح، يبتعد عن الاختزال والغموض. ومن أبرز هذه المؤلفات:
- «المنطق» للشيخ محمد رضا المظفر.
- «أصول الفقه» للشيخ محمد رضا المظفر.
- «دروس في علم الأصول» للسيد الشهيد محمد باقر الصدر.
- «بداية الحكمة» للسيدمحمد حسين الطباطبائي.
- «نهاية الحكمة» للسيدمحمد حسين الطباطبائي.
ب. تنظيم البرامج والفصول الدراسية، والسعي إلى تدشين تخصصات في المعارف الاسلامية، وتعزيز طريقة الامتحانات والاختبارات التحريرية والشفهية، واعتماد الدرجات والرتب العلمية، ومحاولة منح التلاميذ اجازات وشهادات معادلة للإجازات والشهادات الممنوحة في الجامعات اليوم.
(يتبع)
*مفكر إسلامي عراقي
إقرأ أيضا لـ "عبدالجبار الرفاعي"العدد 1876 - الخميس 25 أكتوبر 2007م الموافق 13 شوال 1428هـ