العدد 1875 - الأربعاء 24 أكتوبر 2007م الموافق 12 شوال 1428هـ

التبعيض السياسي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لا أعلم تحديدا ما يرمي إليه المجلس الأعلى الإسلامي في العراق بقيادة السيدعبدالعزيز الحكيم - عافاه الله من مرضه - وعدد من الساسة العراقيين بإصرارهم على تنصيب الفيدرالية صيغة حكمٍ «مثالية» للعراق في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد سألت السيدالحكيم في أحد اللقاءات غير العامة عن مورفولوجيا الفدرلة بالنسبة إليه؟ ولم تكن إجابته حينها بأفضلَ مما نسمعه اليوم عن مشروع أقلمة العراق المُبَشَّر به، مع ارتكاز إجابته في شرعيتها على الإحالة غير البريئة إلى استفتاء أكتوبر/ تشرين الأول 2005.

بطبيعة الحال، إن الدفوع الحقيقية لمشروع الفدرلة وتحديدا للجنوب لا تتعدّى استحضار التاريخ المأسوي للشيعة وخصوصا منذ منتصف سبعينات القرن الماضي إبّان الحكم العفلقي، أو إعادة تقويم ما اختاره أعيانهم ضمن خيارات سياسية مطروحة بعد ثورة العشرين مرورا بتشكّل الدولة العراقية الحديثة وتعويض ذلك «التقدير التاريخي الخاطئ» بالحاضر الأميركي الكسيح في العراق.

إن محاولة اختصار تاريخ بلد ومستقبله بحجم العراق من خلال حقبة عمرها ثلاثة عقود، هي تجاوز لحقائقَ جغرافية وسياسية ودينية ظاهرة، وتسفيهٌ بُمَنجَز اجتماعي ولّد سمات لا يُمكنها أن تتكرر في محيط مكاني آخر من قبيل التجاور والمصاهرة غير المحسوبة، كما أن تصويب القرارات التاريخية لا يُمكن أن يتم عبر بوابة التعويض المُؤجّل، واستثمار تحيينات مُحددة للبلد تتم بإرادة كولونيالية من الخارج.

ثم إن الاحتماء بتجاربَ خالصة للفيدرالية والكونفدرالية يتم التسويق لها من كانتونات الاتحاد السويسري الستة والعشرين وبلدياتها وكوموناتها الثلاثة آلاف أو من جمهورية ألمانيا بولاياتها الستة عشرة أو من الولايات المتحدة وولاياتها الخمسين حتى من البلدان السبعين التي تُطبق هذا النظام في العالم، لهو تسكين غير ناجع لهواجسَ حقيقية وفعلية لشعب عربي مُسلم ناسه متجاورون منذ مئات السنين لا تعنيه تجارب الدول التي لم تنفع معها سوى حُلول الكَيِّ بعد ارتشافها الدم المزكوم ومن حمل رايات المعارك والتشققات اللغوية من جرمانية ولاتينية وسلافية، أما العراق فلا هو أوروبا ولا هو الفاقد للهوية الدينية واللغوية والثقافية التي تضطره إلى ذلك. من يتّحد من السياسيين العراقيين مع مشروع الفدرلة فعليه أن يُفسّر لنا على ماذا سيقوم إقليما الجنوب والوسط؟ وعلى أي مُسوّغ سيرتكز؟ هل على القومية أم على العشائرية أم المذهبية؟ وإذا كان الأكراد يتمترسون بقومية متمايزة فإقليم الجنوب والوسط على ماذا يقومان؟ فإن كانا على قومية فهي مهزلة لا تنطلي على أحد؛ لأن القومية اشتراكُ كتلة بشرية بِلُغَةٍ وعناصرَ مشتركة من تقاليدَ سوسيولوجية تمكنها من تأليف وحدة سياسية، وإذا كان الإقليم سيستند إلى العمق العشائري فإن عشائر العراق ليست مجموعة من البطون والأفخاذ المتماهية جغرافيا ومذهبيا، فالشمريون هم شيعة في الجنوب وسُنّة في الوسط والشمال، وهكذا دواليك بالنسبة إلى الزبيدي والجبوري وربيعة وكعب، وإن كان الإقليم متأسسا على متراس مذهبي طائفي فلن يبقى للعراقيين ما يتأسّون عليه بعد ذلك، وسيكون هذا الإسفين منبت شرّ لن يُبقِي ولن يَذَر، وسَتَسْوَدّ أحوال الأقليّة السُنّيّة في إقليم الجنوب الشيعي، ولن يضمن أحد أحوال الشّيعة في إقليم الوسط السُّنّي، في ظل فرز مذهبي غير عادي ممتد من الأقضية حتى تخوم المدن الكبرى منذ الاحتلال لغاية هذه الساعة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1875 - الأربعاء 24 أكتوبر 2007م الموافق 12 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً