العدد 1875 - الأربعاء 24 أكتوبر 2007م الموافق 12 شوال 1428هـ

العراق

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

أصبتُ بالإحباط للشلل الذهني الذي أصابني من هول المصيبة، ولم تفلح المَكَنَة الذهنية في إنتاج عنوان جدير بالعراق إلا «العراق». ولم أجد أفضل وأجود وأعز وأكرم علينا نحن العرب والمسلمين من اسم العراق ذاته.

بعد انهيار الكيان السياسي والسلم الطوائفي والأمن الأهلي العام في العراق، وبعد الكشف عن نية تقسيم العراق، إذ نية التقسيم مبيتة منذ سنين طويلة، وقرار الكونغرس الأخير بشأن ذلك ليس تقريرا للتقسيم، وإنما هو كشف عن تلك النية بهذا التقرير.

قرار تقسيم العراق إلى دويلات طائفية وعرقية، يأتي في سياق إعادة تركيب المنطقة العربية، أو ما يسمى زورا «الشرق الأوسط الكبير». وراسم السياسة الأميركي يريد ترتيب الأوضاع لتشمل 3 ضمانات أساسية هي: حماية أمن الكيان الصهيوني، إمدادات النفط، وبسط كامل السيطرة الاستعمارية على المنطقة. هذه وجهة المحتل الأميركي، فماذا عن وجهة قادة العراق الجدد؟ وما الخيار الصحيح للمقاتلين؟

«البعث» وقادة العراق الجدد

قد أخطأ قادة العراق الجدد - الذين سيطروا على مقاليد الحكم - حين لم يستمعوا إلى نصيحة سيد المقاومة حسن نصرالله حينما دعاهم إلى الجلوس مع الرئيس صدام حسين وتناسي خلافات الماضي ومواجهة الأخطار التي تحدق ببلادهم، إلا أنهم تمادوا في التعاون مع الأميركان لإسقاط نظام سياسي متجذر في المجتمع العراقي لأكثر من ثلاثين عاما.

النظام البعثي العراقي الذي سقط لم يكن نظاما طائفيا سنيا. وإلا بماذا نفسر قيام النظام السابق بالهجوم والتنكيل بالإخوان المسلمين في الفلوجة وغيرها، وقيام عدة انتفاضات وانقلابات سنية ضده، على حين كانت هناك انتفاضة شيعية واحدة فقط؟ النظام العراقي لم يكن طائفيا، فأعمدة النظام السابق في غالبيتهم لم يكونوا منتمين إلى أهل السنة والجماعة، والمطلوبون للأميركان 55 منهم 18 فقط أصولهم سنية!

سقط النظام العراقي السابق وسقط معه أكثر من مئات الآلاف من القتلى، وتشرد معه 4 ملايين عراقي في أصقاع الدنيا، بعد أن كانت الدنيا بما حوت تأتي إليهم لتنهل من روافد العلم والمعرفة. سقط النظام السابق واستباح الأميركان ومعهم الميليشيات الطائفية دماء العراقيين، وحرمات المساجد وأضرحة الأئمة. سقط النظام السابق وأبناء العراق كانوا درة تاج العروبة وقمة مجدها. واليوم، سرق الأميركان التاج ولعبت «إطلاعات» بالدرة، وضاع مجد العراق وأمجاد العراقيين. جاء قادة العراق الجدد بعقلية الانتقام! فكان اجتثاث «البعث»، ودخول الميليشيات الطائفية... وها هو رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يكرم ويمنح نياشين لمغتصبي فتاة عراقية قبل حتى أن يفتح تحقيقا في الموضوع! وها هو اليوم يدشن عقيدة النظم البوليسية برفضه زيارات السجون! والكثير الكثير من العقلية التدميرية والانتقامية التي يتحلى بها الساسة الجدد من دون غيرهم!

أثبت هذا التحالف التدميري بين قادة العراق الجدد والأميركان - بما لا يدع مجالا للشك - أن التعاون مع الأميركان قرار خاطئ على البعدين القصير والبعيد المدى (الاستراتيجي)، وينبغي التراجع عنه أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه إن أمكن، إنقاذ اللحمة الوطنية ووقف نزيف الدم العراقي.

لعل في ثورة العشائر العراقية الشيعية (فضيحة جند السماء)، المملوءة بالحسرة اليوم، شيئا من التراجع عن الذهاب إلى أبعدَ من هذا التحالف وضرورة فك الارتباط بالأميركان والإيرانيين على حد السواء.

الخيار الصحيح للمقاتلين

من جانب آخر، وفي ضوء صدور الكثير من الأمارات السابقة من لدن زعيمي «القاعدة» (أسامة بن لادن وأيمن الظواهري) عن ضرورة توحيد صفوف المقاتلين وتحديد الهدف بدقة، وهو المحتل الأميركي، وليس الأبرياء من أبناء الشعب العراقي، أي ألا يقتل أحد بناء على انتمائه إلى المذهب الجعفري أو غيره، إذ جمهور علماء أهل السنة والجماعة لم يبيحوا قتل الشيعة لأنهم شيعة، مذ نشأت المذاهب حتى يومنا هذا. وفي هذا فإن زعيمي «القاعدة» مصيبان أيما إصابة، وإن تأخرا في ذلك. وعلى الزعماء الميدانيين والإقليميين، في العراق خصوصا، الامتثال والاحتكام إلى بن لادن والظواهري.

بل إن صوت العقل والمنطق يقول: إن الشيعة يمثلون أكثرية، أو النصف أو أقل من ذلك في العراق، فهل من الإسلام في شيء إبادة أمة بكاملها من أجل انتمائها إلى مذهب ما؟

إذا، الخيار الصحيح للمقاتلين في العراق، هو قتال المحتل وليس سواه؛ إذ الانشغال بملاحقة المختلفين مذهبيا هو زيغ عن الهدف الرئيسي للجهاد، واستنزاف للطاقة والجهد في غير مكانهما. وهذا الانشغال مسألة لا تخدم إخراج المحتل، وإنما قد تعطيه شرعية في ضمائر الناس؛ بل قد يعتبر البعض وجود المحتل ضرورة!

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1875 - الأربعاء 24 أكتوبر 2007م الموافق 12 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً