العدد 1875 - الأربعاء 24 أكتوبر 2007م الموافق 12 شوال 1428هـ

الفقراء والوجه الآخر

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

الفقر والفقراء واليوم العالمي للفقر! وأخيرا بدأ العالم يعترف بالفقراء لقد باتت الكلمة فاقدة لمعناها، ولكنها مازالت كالمرض الخبيث تعيث في الأرض فسادا، ويزداد خبثها وانتشارها بازدياد الثروات لسوء توزيعها!

ولكن الشيء الغريب، أن الكثيرين مازالوا يعرفون الفقر على أنه الجوع وقلة الغذاء أو سوء السكن، والتصرف الطبيعي لديهم لدرء الفقر هو الإغداق عليهم بالطعام الوفير، والذي قد يتسبب بإعاقات مرضية وهشاشة جسدية أكثر شراسة من الجوع، لكثرة ما تحتويه من الدهون المشبعة والسكريات والنشويات الضارة، وتحول الجائع سابقا إلى بائس وزائر منتظم للمستشفيات لجهله بأمور جسده وحياته لمحدودية معلوماته في كل شيء! ولفقرة في العلوم عامة ! أما السكن فالفقير قد يسكن في أي مكان ولا بأس عليه فهو فقير وصابر أو في حالة وجود مساعدة أو محاولة لإعطائه سكن لائق قد ينتظر عمرا بكامله وقد يموت قبل أن يأتيه الدور!

إن الفقر... لم يعد تلك الكلمة التقليدية إذا... والجوع لم يعد المشكلة وإنما قد انتقل إلى مرحلة أكثر تطورا وإدمانا! وهي أساسيات الحياة وانقلبت الكماليات إلى ضروريات، إذ باتت الحاجة ماسة إلى النقال والكمبيوتر والإنترنت والثلاجة، والأهم هو توفير المواصلات للتنقل للعمل وكسب الرزق... إن الحركة وبسعر رمزي هي العالم اليوم! ومن دونها لا توجد حضارة أو أي إنتاج حقيقي!

إن العلم والتسلح به هو من أهم المعوقات التي ترفع البشر وتزيل عنهم شبح الفقر! فإذا ساد العلم بين تلك الطبقات وساهمت الدولة على عاتقها التكفل بكل نفقاتهم تمكنت من تخطي الخطوة الأولى للقضاء على الفقر. إن البلاد والتي لم توفر لأبنائها الوسائل العصرية للكفاح، تعتبر بلادا فقيرة جدا، مهما ارتفعت فيها ناطحات السحاب والسوبرماركت والإعلانات في الشوارع! فالشعوب الحية المتعلمة اليقظة هي من أهم ثرواتها في البلاد.

لقد أضحى الفقر شريحة كبيرة غير قادرة على تلبية احتياجات هذه الحضارة... لعدم وجود العدالة الاجتماعية، فحينما تبنى الفنادق الفارهة والعمارات على قارعة طريق القرية وتتلألأ كنوز ألف ليلة وليلة أمام أهاليها، وهم بالكاد يعيشون على بعض من الأنوار المتواضعة والمرافق القديمة، وبيوت من الخشب والطين!

هؤلاء كيف لهم أن يصبروا على كل ذلك الحرمان وهم يرون الثروة تنساب وتسيل بين أيدي الآخرين، ومن دون تمكنهم حتى من شم رائحتها أو تذوقها!

إن الحرمان يولد الانفجار لا محالة! وإن هذه الشريحة لن ترضى بالتغاضي والتغابي كثيرا! وستبدأ عاجلا أم آجلا في البحث عن طريق للخلاص، وقد يأتي الغرباء ويشترون الأبناء ثم الأوطان وقد يغريهم الخبثاء، للعب بالنار، ستتحرك المظاهرات والكلمات والصور مطالبة بسقوط النظام!

وسيدفع لهؤلاء كثيرا للوصول إلى مآربهم، ربما قد ينظر لهم على أنهم مشاغبون، وقد يزجون في السجون ويحرمون من التعبير والكلام! ولكن هذا هو الفقر الحقيقي حينها! حينما لا يعترف الآخرون ولا يريدوا أن يتفهموا معنى الفقر الحديث والإرغام على السكوت والمعاناة. وهو الفقر الآخر! في قلة الفهم والإدراك! والظلم والقسوة، وانعدام العدالة! فحينما تقسو الحياة ينقلب الفقراء إلى مجاهدين، وتتساوى عندها الحياة والموت فهم وعلى أية حال ليس لديهم ما يخسروه! ويبدأ الإرهاب بوسائله المتعددة في الانتشار للخروج من المأزق الحضاري والفقر!

ربما هم فقراء بالمعنى التقليدي، ولكن علينا أن نحذرهم لأنهم أغنياء جدا بقوة دواخلهم وإصرارهم على العيش الكريم.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 1875 - الأربعاء 24 أكتوبر 2007م الموافق 12 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً