العدد 1875 - الأربعاء 24 أكتوبر 2007م الموافق 12 شوال 1428هـ

معيار المواطنة

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

برزت على السطح حديثا مجموعة من المعايير نسجت غالبيتها في ظروف بعيدة عن الجو العام الذي يجب أن تسود فيه، فعندما جاءت مكرمة جلالة الملك بخصوص القروض الإسكانية وبدل السكن وجدنا أن هناك فزعة عالية القفز لدى وزارة الأشغال والاسكان تنادي بمجموعة معايير من شأنها أن تقلل أعداد المستفيدين من المكرمة ولعل أبرز غربال استطاع أن يعزل أكبر عدد ممكن من الاستفادة هو معيار دخل رب الأسرة الذي يقل عن 500 دينار، وكانت هناك ردات فعل متباينة عن ذلك ولعل أبرز تحليل لذلك، أن موجة الغلاء الموجودة حاليا تجعل من راتبه 1000 دينار فقيرا وبحاجة إلى مساعدة فضلا عن أصحاب الدخول المنخفضة.

وقبلها كانت هناك أيضا صرعات لمعاييرَ لم تستمر أذكر من بينها «البونس» الذي أقر بمقترح برغبة لأهداف دعائية لدغدغة مشاعر الناخبين وضمان أصوات الناخبين، ولن تكون ختام المسك!

ونتمنى أن يكون معيار المواطنة هو الفيصل الحقيقي لحسم الاستحقاقات المختلفة، فهناك ملف كبير انفتح ونتمنى ألا يكون «سيرة وانفتحت» وتغلق من دون إيجاد حلول ممكنة لها، فالإثارة وحدها لا تكفي، وقد تكون مادة صحافية جيدة يستفاد منها، ولكن الشارع مل وكل من الكلام في المطلق ويريد حلولا لمشكلاته الاجتماعية، والفقر ربما يكون المشكلة الأم التي يعاني منها المواطن البحريني، ولو كان الفقر رجلا لقتله فقراء البحرين، امتثالا لقول الإمام علي (ع)، ولكنه ليس كذلك.

على نواب الشعب أن يضعوا خططهم وينسقوا فيما بينهم من أجل القضاء على الفقر، فعار علينا أن نعيش الفقر في دولة غنية، وفي هذه المرة، لا نريد أن نضع المعايير بعيدا عن معيار المواطنة، وعلينا أن نؤكد المعيار بلا مزايدة من أحد، فالمواطن أحق بأن يعدّل وضعه المعيشي، وعلينا أن نلتفت عمّا حولنا لنرى أننا لسنا فقط في الساحة نحاول أن نرفع من قدر المواطن فهناك الكثير من الدول المجاورة من وضعت حدودا ومعاييرَ ميزت حينها المواطن من غيره، فلا يعد ذلك بدعة خليجية ولا ترفا بحرينيا، وإنما عرفا متداولا لدى البعض، وينبغي له أن يوضع في الاعتبار، وبالتالي إضافة ميزة نوعية إلى البحريني.

فبعد اليوم العالمي للفقر رأينا ضجة إعلامية متداولة في وسائل الإعلام والكل ربما يشترك في التشخيص ولكن لا نرى بأم أعيننا خططا لمواجهته، فصار الحديث عن الفقر والحاجة سيمفونية الكلُّ يشترك في إيقاعها، ونظريا أخذت مشكلة الفقر حيزا كبيرا من التركيز والاهتمام في أحاديث الناس، وأروقة مجالسهم الشعبية والندوات العلمية والمجلس النيابي، بل أصبح حديث الشارع والكبير والصغير.

على رغم ذلك لم تتزحزح المشكلة ولاتزال تراوح مكانها، وليس من المعقول أن موضوعا بهذا الحجم من الأهمية - وعلى رغم اتفاق الجميع عليه باعتباره أولوية من الأولويات التي يجب أن تنجز - لايزال عالقا، وكأن الغرض الرئيسي من وجود حالات الفقر والعوز إشغال الشارع وإلهاؤه عن بقية الملفات السياسية الأخرى الأكثر تعقيدا وأهمية. فالحكومة أثبتت من خلال جوالاتها وصولاتها أنها لن تكون إيجابية حيال الملفات السياسية، فلم توضح موقفها الفعلي أيضا تجاه الملفات الاجتماعية الأخرى كالبطالة والاقتصادية كالفقر والغلاء المعيشي.

على رغم كون الفقر عنصرا سلبيا كبيرا في ظل وجود مشروع إصلاحي، فأين نحن من الإصلاح طالما بقي الفقر أحد أبرز الملفات الموجودة على الرفوف وتحت الطاولات في بلد غني بموارده المادية والبشرية؟ فالمواطن بات يشعر بالتعب والإعياء وهو يبحث عن لقمة العيش والكرامة فهو لا يفتأ يستريح في حياته، فقد أصبح رصيدها صفرا فلم يعد الصفر فقط يتعلق بالأرصدة المصرفية، فنحن نجده يخرج من المنزل في الصباح الباكر ويرجع إليه بعد 8 أو 9 ساعات عمل، ويشعر بأن سعيه الذي سعاه لم يسعفه لجلب بعض من احتياجات أسرته وأن الراتب الذي سيحصل عليه نهاية الشهر لن يكفيه مع حالات الزهد والتقشف إلا أسبوعا واحدا فقط على أكثر تقدير، وبالتالي عليه أن يبذل جهدا إضافيا يلف ويدور ليبحث له عن فرصة عمل أخرى بنظام جزئي؛ حتى يستطيع ترقيع وضعه المعيشي.

لن يتحقق له ما يسعى إليه بسهولة في بلد تعج بالبطالة وتعج بأكوام المجنسين الذين فتحت لهم البحرين أبوابها وفضلتهم على المواطن؛ لينهلوا من خيراتها ونعيمها؛ وليبقى المواطن المسكين جالسا على أرصفة الشوارع يتأمل المارة، يتفحصهم جيدا ليصنفهم فالإحصاءات الرسمية لا تعبر عن الأرقام الحقيقية، ونضطر أحيانا إلى أن نعتمد على ما تراه أعيننا، فقد امتلأت بحريننا الغالية بالمجنسين الذين يتحدثون بلهجات ليست بالعربية ولا بأية لغة أخرى في العالم، ولكنهم يشتركون معنا في الحقوق والواجبات.

ألا يحق لنا أن نشكك في غاية الفقر في بحريننا الغالية مع وجود المخططات الأخرى؟ هل من الصعب على الحكومة أن تحلّ موضوعا كالفقر من خلال تحسين الوضع المعيشي أم الهدف الأكبر هو الذي ترنو إليه الحكومة ألا وهو إجهاد المواطن فتقل مطالبه؟ وأين نحن من معيار المواطنة بعد أن أشبعنا رؤوس الناس طربا بأهمية المواطنة وأدخلناها في متون مناهجنا الدراسية وزدات الأعباء على الطالب؟

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1875 - الأربعاء 24 أكتوبر 2007م الموافق 12 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً