حثت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى الصين على رفع قيمة عملتها «اليوان» بوتيرة أسرع مما هي عليه الآن، ورحب وزراء مالية الدول السبع، في أعقاب اجتماعهم الذي عقدوه في 13 أكتوبر / تشرين الأول 2007 في واشنطن، بالخطوات التي تقوم بها بكين لإضفاء مزيد من المرونة على عملتها إلا أنهم أكدوا، في بيان أصدروه في أعقاب ذلك الاجتماع، أن الفائض التجاري المتنامي الذي يميل إلى صالح بكين، يعني انه يجب السماح لـ»اليوان» أن ترتفع قيمته بسرعة أكبر، ومن شأن رفع قيمة العملة الصينية أن يجعل السلع الصينية أقل قدرة على المنافسة ومن ثم يخفض من قيمة فائضها التجاري العالمي، كما من شأن هذه الخطوة أيضا، كما تقول مجموعة السبع، أن تخفض من ضغوط التضخم الذي تعاني منه الصين لأن «يوان» منخفضا يعني واردات أقل سعرا.
ويعتقد وزير المالية الأميركي هنري بولسون عكس ما يراه الصينيون من أن عدم تسريع وتيرة رفع قيمة «اليوان» يساعد على الاستقرار الاقتصادي، يقول بولسون: «إننا حريصون أيضا على الاستقرار وأعتقد أن هناك خطورة أكبر في التحرك ببطء أكبر أكثر من التحرك بسرعة».
وبعيدا عن موقف الدول الصناعية السبع التي من بينها واشنطن، نجد أن الولايات المتحدة وعلى نحو منفرد، وعلى امتداد السنوات الثلاث الماضية لم تكُفْ عن توجيه انتقادات حادة الى الصين لعدم قيامها بما يكفي من الاجراءات – وفقا للرؤية الأميركية - لإصلاح قيمة سعر العملة الصينية (اليوان)... ولعل ما قاله وزير الخزانة الاميركي جون سنو في التقرير نصف السنوي لوزارة الخزانة من أنه «غير راض بالمرة بالإجراءات التي اتخذتها الصين لاصلاح عملتها، وأنه غير راض بالتقدم الذي تم إحرازه في مجال تعديل نظام صرف العملة الصينية، وسنراقب عن كثب الاجراءات الصينية في هذا الخصوص» فيه الكثير مما يعكس تحامل الموقف الأميركي على الخطوات الصينية في هذا الصدد. ولابد من الإشارة هنا إلى أن الصين – في نطاق الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها من أجل تأهيل سوقها للانخراط في السوق العالمية - قامت العام الماضي بتعويم سعر اليوان، عبر ربطه بسلة عملات بدلا عن النظام السابق الذي كان يربط سعر «اليوان» بقيمة محددة بالدولار. غير أن بعض السياسيين الاميركيين يقولون إن سعر اليوان لايزال منخفضا، الأمر الذي يسمح للصين إبقاء قيمة صادراتها منخفضة.
لقد تزايدت الدعوات في الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات عقابية ضد الصين بشأن ما تصفه واشنطن بـ «التلاعب بـاليوان»، بهدف الإبقاء على انخفاضها وزيادة صادراتها.
مقابل هذا الهجوم الأميركي غير المبرر، نجد أن رئيس الوزراء الصيني وين جيا باو – وعلى طريقة حركة التنين البطيئة – يعتقد أنه ليست هناك حاجة عاجلة إلى إعادة النظر في سعر العملة الصينية وأن استقرار سعر صرف اليوان يخدم مصالح الصين ويساعد على استقرار الاقتصاد العالمي ونمو التجارة الدولية.
وقال وين جيا باو: «إن إصلاح سعر الصرف لابد أن يحدد بعيدا عن الضغوط الدولية ويجب القيام به بحرص لتجنب حدوث هزات اقتصادية». مؤكدا أن الصين ستصلح سياستها الخاصة بالعملة طبقا لمبادئها الخاصة ووفق شكل ومضمون وتوقيت ينسجم مع مصالح الصين.
وقال ان بلاده ستأخذ في الحسبان التقدم التدريجي في أسلوب خطوة خطوة وبعيدا عن اية قرارات من شأنها الاضرار بالاستقرار العالمي.
ونحن بصدد خطوات الصين نحو السوق العالمية، لابد لنا من استرجاع شيء من السلوك الصيني المنطلق من الحضارة الصينية ذاتها. فقبل قرنين من الزمان تقريبا، وتحديدا في 1792م، أرسل البريطانيون وفدا رفيع المستوى إلى بلاط الإمبراطور الصيني لمد جسور العلاقات التجارية بين البلدين. كان الوفد تحت قيادة اللورد ماكارتني وكان يأمل في التفاوض من أجل توقيع معاهدة تجارية ضخمة مع الصين. وبعد أن تأمل إمبراطور الصين البضائع والمنتجات التي أحضرتها البعثة البريطانية معها لتقديمها إليه هدايا، أعلن أن بلاده ليست بحاجة إلى أي من تلك المنتجات، وهو ما كان صحيحا على الأرجح في ذلك الوقت. وهكذا عادت بعثة «ماكارتني» الأسطورية إلى بريطانيا خالية الوفاض.
ولكن لن يتسنى لـ«إمبراطور الصين» - رئيس وزراء الصين الحالي وين جيا باو - أن يقول عبارة مثل هذه يعلن بموجبها أن بلاده ليست في حاجة إلى أية بضاعة من الخارج، فالعالم قد تحول اليوم إلى ما يشبه القرية الصغيرة أو السوق الواحدة التي يصعب على أية دولة الانعزال عنها. لكن هذا لايعني أيضا أن تفقد بكين وتيرة إيقاع خطواتها التي قد لا تسير وفقا للسرعة التي تحلم بها واشنطن، وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال السياسة الخارجية التي لاتزال الصين تتمسك بها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1873 - الإثنين 22 أكتوبر 2007م الموافق 10 شوال 1428هـ