العدد 1873 - الإثنين 22 أكتوبر 2007م الموافق 10 شوال 1428هـ

التعامل مع الكلمة خيار حضاري

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بيان وزارة الإعلام عن كتاب المفكر البحريني نادر كاظم يوضّح أن لدينا مشكلة مع «الكلمة»، وهي المشكلة ذاتها التي نجدها في تصريحات عدد من النواب الذين يدعون إلى أمور غريبة ويصرّحون بأشياءَ ليست معقولة عندما يتحدثون عن الصحافة. فمثلا يردد بعض النواب أنه يجب أن ينصّ القانون على سجن الصحافي وإلا فذلك سيكون تمييزا وضربا للمساواة أمام القانون. والواضح من تتبع تصريحات عدد من المسئولين والنواب أن هناك مشكلة فيما يتعلق بالكلمة، ولكن المشكلة «حضارية» وليست «إجرائية».

فالحديث مثلا عن ضرورة سجن الصحافي للمساواة أمام القانون حجة غير صحيحة. فهناك من المهن ما يتلبّسها الكثير من المتاعب، فالأطباء قد يخطئون وهم يمارسون مهنتهم، ولكن العقوبة ليست في سجنهم مادامت نياتهم كانت سليمة. وكذلك، سيارات الإسعاف تخترق قانون المرور وتسوق بسرعة فائقة وتتخطى الإشارات الحمراء وتسير في الاتجاه المعاكس، ولكن البلدان المتحضرة لا تعتقل سائقي سيارات الإسعاف؛ لعلمها أن ما يقومون به أمر تتطلبه مهنتهم. نعم، لو ثبت أن سيارة الإسعاف كانت تُسْتَخْدَم لسرقة مصرف مثلا، ففي هذه الحال يسجن السائق ومن تآمر معه بأشد العقوبات.

الأمر ذاته ينطبق على مهنة المتاعب (الصحافة) التي تتضمن إزعاجا من نوع غير معهود في الأنظمة الدكتاتورية؛ ولذلك فإن للمهنة ضوابطها التي تعمل على أساسها، والصحافي لا يسجن لأنه قام بمهماته الصحافية وانتقد أو نشر مفاسدَ ما. نعم، يعتقل لو كان يخطط لقلب النظام، وهذا يشبه سائق الإسعاف الذي يخالف قوانين المرور لسرقة مصرف لا لإنقاذ مريض.

كيف نتعامل مع الكلمة بصفتها شأنا حضاريا بحتا؟ المسلمون في قرابة العام 750م تعاملوا بشكل حضاري مع صناعة الورق التي اكتشفوها أثناء اصطدام الجيش الإسلامي مع بعض الصينيين، وعندما عرفوا المهنة من الأسرى الصينيين أطلقوا سراحهم مقابل تعليمهم كيفية تصنيع الورق... وبسبب ذلك نهضت العلوم العربية والإسلامية وانتشرت وتوسعت ووصلت إلى كل مكان، وإلى أوروبا من خلال الأندلس لاحقا. ولكن المسلمين تعاملوا بصورة غير حضارية قبيل العام 1500م عندما سمعوا عن اختراع المطبعة، إذ اعتقدوا أن استخدام المطبعة لطباعة الكتب سيؤدي إلى تحريف القرآن الكريم، وحرّموا استخدام المطبعة، على حين سمحوا فقط لليهود (الذين كانوا قد نقلوا مهنة المطبعة من الأندلس إلى بلاد المسلمين بعد أن طردهم المسيحيون الكاثوليك عندما خسر المسلمون بلاد الأندلس) على أساس أن اليهود دينهم مُحَرَّف، وسمحوا لاحقا للمسيحيين، وظل المسلمون هم المحرومين فقط من المطبعة وذلك مدة 250 سنة... وبعد تلك الفترة أصبح المسلمون هم المتخلفين عن ركب الحضارة.

إنجلترا كانت دولة صغيرة وضعيفة في القرن السادسَ عشرَ، ولكنها نهضت لاحقا لتصبح أكبر قوة لقرون عدة؛ لأنها أطلقت حرية الكلمة وحرية التجارة، وإنجلترا لديها قانون صدر في العام 1695 (قبل أكثر من 400 سنة) ينص على حرية الكلمة ويمنع الرقابة المسبقة على النشر... أما أميركا فلديها التعديل الأول على الدستور الذي اعتمد في العام 1791، وهو التعديل الذي يحرّم إصدار أي قانون يمنع حرية الكلام، ويحرّم التعدي على حرية الصحافة، ويحرّم الحدّ من الحق في التجمع السلمي. كل المجتمعات لها الحق في اختياراتها المصيرية، ويبدو أننا نميل إلى الجانب الاستبدادي فيما يتعلق بالكلمة، وغيرنا يميل إلى الجانب الإنساني - الحضاري!

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 1873 - الإثنين 22 أكتوبر 2007م الموافق 10 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً