العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ

فترة السبعينيات والهجمات العسكرية والسياسية لترتيب أوضاع الخليج

مذكرات عبدالرحمن النعيمي (13)

اطلع أحد الإخوة على ماكتبته عن المكتب السياسي للحركة الثورية الشعبية في عمان والخليج العربي في السبعينيات من القرن المنصرم ودوره في العملية الثورية في عمان وحملة الاعتقالات التي شملت المناضلين بعد العمليات العسكرية في 12 يونيو/ حزيران 1970، فأشار إلى عدم دقة المعلومات التي أوردتها عن تلك الفترة، وهو صادق في ذلك، حيث كان مشاركا هناك، وبالتالي لا بد من تصويب المعلومات لكي لا يعتمد البعض في كتابة تاريخ الحركة الثورية العمانية على معلومات غير دقيقة، فهناك الكثير من الأخوة،أطال الله في أعمارهم، ممن يتحملون مسئولية كبيرة في تسجيل ما يملكونه من معلومات عن تلك الفترة الحاسمة من تاريخ الصراع على المنطقة بين قوى الثورة من جهة وقوى الاستعمار والأسر الحاكمة من جهة ثانية، بل يمكن القول إن الحرب الباردة كانت تدور رحاها في منطقة النفط، ولا يدري الكثيرون ممن كانوا يحملون السلاح إن كانوا صانعي أحداث أم كانوا أدوات في يد القوى الكبرى المتصارعة، سواء الاتحاد السوفيتي أو الصين من جهة أو القوى الإمبريالية وبالتحديد البريطانيين والأميركان من الجهة الأخرى... لقد ذكر الرفيق العزيز أن أعضاء لجنة الحوار وقيادة منطقة الداخل للحركة الثورية الشعبية قد دخلوا منذ بداية الشهر السادس 1970 إلى السلطنة، وتمكنوا من الانتقال إلى عدد من المواقع الأساسية (البؤر) ولم تتمكن قوات السلطنة من اعتقالهم إلا يوم 18 يوليو/ تموز 1970 أي بعد أكثر من شهر على العمليات العسكرية التي قامت بها الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير عمان والخليج العربي، وقبل 5 أيام من الانقلاب الذي قام به البريطانيون على السلطان سعيد بن تيمور وتنصيب ابنه السلطان قابوس ضمن عملية التحديث التي باتت ضرورية لسلطنة عمان.

وعلى رغم الوضع الصحي الذي تعيشه العزيزة ليلى فخرو، فقد أبت إلا أن تتصل لتشكرني على ماقلته بشأن دورها... وأعتقد أنه يصعب لأي مناضل عاش تلك المرحلة أن يوفي هذه المرأة حقها، ويمكن القول إنها تدفع حاليا من صحتها تداعيات ما قامت به في تلك الفترة. وهناك رفاق أعزاء من بينهم الرفيق عبدالنبي العكري (وآخرون أخشى ألا يريدون ذكر أسمائهم) لا يزالون يرون أن الوقت لم يحن بعد ليسجلوا ما قاموا به من أدوار بعد أن غادروا مواقعهم الدراسية او المهنية والتحقوا بالثورة العمانية وتنقلوا في العديد من المواقع الإعلامية والسياسية والعسكرية، حيث كان من بين البحرينين من بز رفاقه في الكلية العسكرية اليمنية وحصل على تقدير قيادة اليمن الديمقراطية، والتحق مع المناضلين في جبال ظفار ليقاتل الجيش الإيراني الذي تدفقت جحافله منذ العام 1974 ليحسم الصراع هناك بعد أن عجز الكثيرون من المرتزقة وحلفاء النظام من بريطانيين وأردنيين ومصريين من إجراء الانعطاف التاريخي في الحرب الثورية هناك.

******

وأعتقد أن مسئولية المناضلين الباقين على قيد الحياة أن يتوقفوا عند تلك المرحلة ويحللوا أحداثها، ليس من باب التسجيل والتوثيق فقط، وليس من باب التباهي بما قاموا به، وإنما من باب دراسة مواقفهم على ضوء ما يرونه الآن، كمطلين من الخارج التاريخي، من إمكانيات موضوعية وذاتية في تلك المرحلة، وبالتالي الأخطاء التي ارتكبوها والإيجابيات التي حققوها.

لقد تحدث عن الثورة الكثيرون، من الصحفيين والسياسيين وخاصة من اليسار الجديد في تلك الفترة، وإذا كانت قيادة الجبهة سعت دائما إلى إبراز الوجه الإيجابي لما تقوم به، سواء الدور الكبير للمرأة (كان ثلث جيش التحرير من النساء) أو توزيع السلاح على جميع أفراد الشعب، أو نشر التعليم وتقديم الخدمات الصحية للمواطنين أو استقطاب الشخصيات البارزة وتنظيمها في الحركة الثورية أو الجبهة الشعبية، بالإضافة إلى الكثير من الأعمال التي حصنت الوضع الداخلي، إلا أن عملا سلبيا يبدأ به المرء أو التنظيم قد يتضاعف وتزداد خطورته كلما توغلنا في العمل السياسي، ويبدو أن مقولة لينين القائلة: «إن الانحراف يبدأ بزاوية ضيقة» تحمل بعض الصحة، حيث نجد أنفسنا عاجزين عن التراجع بل ونرتكب المزيد من الأخطاء التي تشكل علامات فاصلة في المنعطف السلبي للمسيرة النضالية.

كما أن من الضروري عدم إسقاط الحاضر على تلك المرحلة، فلا يمكن العودة إلى الماضي، وبالتالي لا بد من الاستفادة منه، لكي نتمكن من المساهمة مع مناضلين آخرين في صنع المستقبل... فقد يكون أبناؤنا أفضل منا في رؤية الواقع، وخاصة إذا حكَمَنا الماضي وعجزنا عن الخروج من شرنقته.

لابد للقائد أن يكون لديه حس نقدي متجدد، ليرى إن كان الحزب أو الجبهة أو العملية الثورية تحقق نجاحات يومية، صغيرة أو كبيرة، فالمهم أن ترى الناس نجاحات أو تعيش في أجواء إمكانيات النصر وتحقيق نجاحات على العدو، ولا يمكن أن نسمي قائدا من ينشر اليأس في صفوف حزبه، أو وسط المواطنين، كما لا يمكن أن يكون قائدا من يستهين بإمكانيات خصمه... ولا بد للقائد أن يدرس بدقة تكتيك الخصم، وخاصة في اللحظة التاريخية التي يقرر أحد الطرفين أنّ عليه إجراء انعطاف كبير ليربك خصمه ويحدث البلبلة في صفوفه، وبالتالي يسهل عليه شق وحدته الداخلية أو إحداث بلبلة معنوية لدى أفراد الخصم.

لقد حققت الثورة في ظفار العديد من النجاحات العسكرية والسياسية في السنوات الأولى قبل الخطة البريطانية في تغيير السلطان سعيد بن تيمور، بفضل عوامل عديدة، أشرنا إلى بعضها في الحلقات السابقة، لكن الخطر الكامن في صفوف الجبهة هو أن الانعطاف الفكري والسياسي الذي حصل في مؤتمر حمرين العام 1968 أفرز المزيد من الأعداء، وفي الوقت ذاته جذب إلى الثورة المزيد من الأصدقاء في الداخل والخارج، لكنّ الأصدقاء كانت لديهم ملاحظات عن الخط السياسي وعن التسمية وبشأن الكثير من الممارسات السياسية والإعلامية والخطاب السياسي... وعندما أجرى الخصم انعطافا في مسيرته، كان قادرا على استقطاب الكثير من تلك العناصر المترددة، من حركة الإمام التي تشكل الحركة الأساسية للعمل الوطني في عمان الداخل، ناهيك عن أنها الطرف السياسي المعترف به في جامعة الدول العربية والذي لم تتمكن الحركة الثورية من استقطاب الكثير من رموزه، (على رغم الحوارات التي جرت مع الإمام طالب بن علي التي شاركتُ في بعضها في القاهرة، ولكن بعد الانقلاب في مسقط بفترة، حيث كان الوضع هناك يسحب المزيد من العناصر من كل الأطراف).

واذا كان البعض يرى أنه لا يمكن التحول وإجراء انعطافات في مسيرة العمل الثوري أو الحزبي أو السياسي دون ارباح وخسائر، فان من الضروري في كل منعطف دراسة الارباح والخسائر لنتمكن من تقليل الخسائر، ومراكمة إيجابيات وقوى جديدة أو نتعاطى مع التكتيك الجديد للعدو لنقلل الخسائر التي قد تنجم عن إصرارنا على السير في الطريق القديم.

عندما أجرت الثورة تحولاتها في مؤتمر حمرين، وجدت ضالتها في الطريق الصيني، مأخوذة في الوقت ذاته بالمناضل الأممي الكبير جيفارا الذي غادر مقاعد الحكم في كوبا إلى أدغال إفريقيا (الكونغو) ثم إلى اميركا اللاتينية (بوليفيا) ليكون شهيد الواحب الأممي في النضال ضد الإمبريالية العالمية وزعيمتها الإمبريالية الأميركية... وحيث كان للسوفييت حساباتهم، وكان الصراع الصيني السوفيتي على أوجهه في مناطق الصراع، فقد تدفق الكتاب الأحمر مع السلاح الصيني إلى الثورة، وأعجب المناضلون العمانيون في ظفار بالتجربة الماوية في تطويق الأرياف من المدن، بالإضافة إلى صور الرئيس الصيني. بينما لم تجد الدراسات الجادة لوضعية المنطقة طريقها إلى قيادة الثورة او إلى المناضلين.

لم تكن هناك دراسات بشأن وضعية المنطقة والصراع العالمي عليها، ولم تكن هناك دراسات بشأن الوضع الطبقي والقبلي والمذهبي، بل وتاريخ المنطقة برمتها والعوامل التي تدفع باتجاه الصراع مع العدو والعوامل التي قد تدفع بشكل سلبي، ناهيك عن أحادية التحليل، من ليس معنا فهو ضدنا! وهي سياسة خاطئة، بالأمس كما هي اليوم لدى الكثير من الحركات السياسية، في البحرين وغيرها من البلدان العربية، فحيث لا نستطيع الوصول إلى قواسم مشتركة، لا يمكن لأية حركة أن تواجه الأعداء أو الخصوم الكبار والكثيرين الذين يريدون إبقاء الحال على ما هو عليه.

كانت الماركسية اللينينية ـ أفكار الرفيق ماوتسي تونغ هي الدواء، هي الأفيون، وبالمناسبة فكل إيديولوجيا هي أفيون. وكان الكتاب الأحمر منتشر لدى المقاتلين، وهو كتيب صغير يسهل حمله في الجيب وبه الكثير من الحكم الصينية، وبه خلاصة التجربة الصينية. ومع أهمية التجربة الصينية والفيتنامية وضرورة دراستها من قبل قيادات وكوادر الثورة، إلا أن حاجة المناضلين والكوادر أيضا إلى كتب تتحدث عن واقعنا الراهن، يكتبها قادة الجبهة قبل غيرهم، مستفيدين من تجارب الآخرين، ومن تجارب الأشقاء المناضلين العرب، ومن تاريخنا المليء بالصراعات وبالصعود الكبير الذي أحدثته الثورة المحمدية التي لا يمكن القفز عليها ولا يملك العرب تاريخا خارج سياقها، بكل ما حملته من تعاليم عظيمة ونماذج إنسانية راقية لا تزال تسحب نفسها بقوة على واقعنا العربي.

وإذا كان المناضل العادي يكتفي بالكتاب الأحمر، فإن الكادر الحزبي لا بد أن يفترق عنه، يحمل بعض الكتب اللينينة أو الماركسية... وأذكر أنني وجدت في حقيبة أحد المناضلين كتاب (الصراعات الطبقية في فرنسا 1948) وكان من الطبيعي أن أسأله أين فرنسا وماهي الصراعات في تلك الفترة، وماذا تعلم من ذلك الكتاب الصعب استيعابه على من لا يعرف تاريخ تلك الفترة في أوروبا... وكان متواضعا للغاية: «لم افتح الكتاب، لكنه ضروري ليرى المناضلون أن المرشد السياسي يعرف الكثير من الأفكار ويحمل الكثير من الكتب والأقلام المصفوفة في جيبه حتى لو لم يكن يعرف الكتابة، وأن يكون قادرا على الإجابة على أي سؤال مهما كان صعبا، حتى لو اخترع الجواب من رأسه كما حصل مع الكثيرين!

كانت مهمة صعبة على الرفيقة هدى وقد وضعت على عاتقها مهمة إدارة مدرسة الثورة، التي سميت في البداية بمدرسة لينين، وتم استبدال الاسم بمدرسة الثورة ثم سميت باسم أحد الشهداء، أن توسع مدارك الكبار قبل الصغار بشأن جغرافية المنطقة... وكان الرفيق سالم سرور - وهو القائد النقابي الذي أراد أن يعرف ما يجري في ظفار قبل أن يتوجه إلى المؤتمر الثامن لاتحاد النقابات العالمي في فارنا ليشرح وضعية عمال البحرين ومطالبهم التي رفعتها اللجنة التأسيسية لاتحاد العمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة في البحرين - مصيبا عندما كان يسأل: هل تعرف أين الفجيرة أيها الرفيق! قبل أن تعرف المناطق التي قاتل فيها الرفيق العظيم ماوتسي في مسيرته التاريخية التي قطع فيها آف الأميال من جنوب الصين إلى شمالها لمقاتلة اليابانيين وليطرح شعار الجبهة المتحدة لمواجهة أولئك الغزاة!

لقد مارسنا عملية الإقصاء، وتمسكنا بنظرية «الفرقة الناجية»، ليس فقط وسط الوطنيين والديمقراطيين، بل وسط التيار الماركسي نفسه، فلمَ لا يؤمن حرفيا بما نقول... وما نراه وما نرسمه من خطط... فقد يكون مندسا... ثورة مضادة... يشكل خطرا على القيادة... ولا بد من إبعاده... ومراقبته... وتصفيته إن لزم الأمر... فالثورة تقوى بتطهير نفسها... والحزب يقوى بتطهير نفسه... إلى آخره من مقولات ماركسية أو لينينية قيلت في لحظات معينة لكنها لا يمكن أن تكون صائبة باستمرار... إلا إذا وضعت في سياق ظروف مشابهة للظروف التي تحدث عنها صاحبها.

كيف يمكن التخلص من العقلية القبلية في منطقة تعيش ظروفا قبلية وعشائرية واقتصادية، متخلفة للغاية... يمكن التخلص منها بإنكار حضورها الملموس لدى الآخرين إلا القادة! يمكن التخلص منها بتغيير الأسماء لخلط الأوراق، يمكن التخلص منها باجراءات إدارية ثورية، تعسفية، لكنها تعود مرة أخرى عندما يكون هناك انحدار في المسيرة... صعوبات تواجه العمل... إغراءات من الخصم... مصالح من وراء العودة إلى الماضي

العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً