العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ

القاتل يطارد الضحية والخبير يلاحق الأدلة

فيلم «88 دقيقة» يتحدث عن صنف المجرم المتسلسل

«88 دقيقة» عنوان فيلم يعرض في سينما السيف. والمدة التي تحمل العنوان هي الفترة الزمنية التي قضاها مجرم سفاح لقتل ضحيته وتشويهها وتقطيعها. الضحية طفلة صغيرة وهي شقيقة شاب اضطر إلى مغادرة شقته في نيويورك قبل 20 سنة لإجراء مقابلة بشأن وظيفته. وعندما عاد الأخ الكبير وجد شقيقته الصغيرة (12 سنة) مقطعة الأوصال بعد أن اعتدى عليها قاتل متسلسل.

الحادث الفظيع بدّل مسار حياة الشاب إذ قرر أن يلاحق المجرم وكل من يدور في هذا الفلك. المجرم يعتقل ولا ينفذ به الحكم، بينما الشاب واصل مسيرته وتحول إلى أستاذ في الجامعة ومرجع للجنائيات ومحاضر في تحليل نفسية هذا النوع من المجرمين السفاحين الذين يعتدون ويقتلون ويعذبون ضحاياهم من دون سبب أو دافع شخصي.

هذا النوع من السفاحين يعاني من مرض السادية ويتلذذ بمشاهدة ضحيته تتعذب. فالقتل للقتل فقط ولا توجد تلك الدوافع الاجتماعية أو الاقتصادية أو العفوية التي تحرض عادة على ارتكاب جريمة.

هناك الكثير من السفاحين المحترفين في الولايات المتحدة (12 مجرما) يقضون مضاجع الأسر والعائلات ويختارون ضحاياهم مصادفة أو انتقاما. ولكن العشوائية تبقى هي المسيطرة في اعتبار أن هدف المجرم المتسلسل تخويف الناس وزرع الرعب في الجيران وإثارة انتباه وسائل الإعلام وابتكار أدوات خاصة لتنفيذ حفلات التعذيب.

الشاب الذي فقد شقيقته الصغيرة خلال فترة مغادرته الاضطرارية لشقته غادر نيويورك (شرق الولايات المتحدة) إلى سياتل (مدينة في غرب البلاد) هربا من حادث مأسوي لا يتحمل مسئوليته ولكنه أحسّ بالظلم لأنه ترك شقيقته من دون حماية.

شكل تلك المسئولية عقد نقص فاتجه الشاب إلى تعميق دراساته الاجتماعية - النفسية للتعرف على تفصيلات حياة هذا الصنف من المجرمين السفاحين. وبسبب ذاك الدافع الشخصي أصبح الشاب بعد خبرة طويلة يشكل عقبة كأداة بوجه أنشطة تلك المجموعة. فهو استطاع أن يشكل فكرة عن حياتهم وأنماطهم وتكوينهم النفسي وثقافتهم ومسلكياتهم وردود فعلهم ونقاط ضعفهم. ولأنه توصل إلى هذا الطور من المعرفة أخذت المحاكم تعتمد عليه لتوصيف شخصية المجرم. كما استخدمته الشرطة لمساعدتها في تقديم وجهة نظره في كل جريمة ترتكب وخصوصا تلك التي تدور حولها الشكوك.

الشاب الذي أصبح كهلا نجح في إقناع المحلفين في وجهة نظره حين قدم مرافعة نفسية - اجتماعية لا تستند إلى أدلة دامغة أن المجرم الذي ارتكب هذا الحادث الشنيع هو المتهم الموجود في قفص المحكمة. ونجحت دعواه في الحكم على السفاح (المجرم المتسلسل) بالإعدام. وبعد أكثر من تسع سنوات على الحكم وفي الأسبوع الذي سينفذ الإعدام تقع جريمة سادية تعذب خلالها الضحية بالأسلوب الذي ارتكبه السفاح قبل تسع سنوات.

أثارت الجريمة أسئلة صحافية ودفعت السلطة الفيدرالية إلى فتح تحقيق في الملفات كلها وتحديدا تلك القضايا التي اعتمدت محاكمها على شهادة الخبير المشهود له بمعرفة المجرم نفسيا ومن دون دليل.

السيناريو يبدأ من هذه النقطة، فهو من جانب يفتح ملفات قديمة تعطي فكرة عن هذا الصنف من المجرمين ومن جانب يكشف ذاك الصنف في أجهزة الشرطة والجنائيات وعدم قدرتها على رسم صورة واضحة عن شخصية السفاح المتسلسل.

الجريمة التي وقعت في الأسبوع الذي سينفذ به حكم الإعدام أثارت استغراب الخبير المحلف والمكلف لأنها دخلت عقر داره وحفرت في ملف ذكرايته وهربت ذاك الشريط المسجل الذي ينقل بصوت شقيقته الصغيرة لحظاتها الأخيرة. فالخبير أصبح الآن موضع شك كذلك بات في موقع المواجهة مع تيار السفاحين. فهذا الصنف لا يقتل مرة واحدة أو لسبب عفوي أو لحظة غضب أو لدافع معين وإنما يخطط لجريمته ويختار ضحاياه ويتفنن في لعبة التعذيب ويرسم لأسلوبه شخصية مميزة بقصد جذب الانتباه ومتابعة الإعلام. المجرم المتسلسل يتابع مهمته ويكرر جريمته دوريا لأنه يقتل ليس بقصد السرقة وإنما لمشاهدة ضحيته يتعذب.

وهكذا يبدأ الخبير في مطاردة المجرم الذي هدده بالقتل خلال فترة لا تتجاوز «88 دقيقة» وهي المدة الزمنية التي قتلت وتعذبت فيها شقيقته الصغيرة قبل 20 سنة. فالمدة التي اختارها القاتل المتسلسل أعاد فتح ملفات الماضي ما أنزل بالخبير مجموعة ضغوط نفسية وصلت إلى حد اتهامه بقتل طالبة تدرس في الجامعة التي يلقي فيها محاضراته.

الجريمة الجديدة تضع الخبير والباحث والأستاذ الجامعي في دائرة الشك ويصبح في موقع الضعيف والخائف من القتل بعد 88 دقيقة ما شجعه إلى العمل الجاد للبحث عن المجرم الجديد وصلته بذاك القاتل السفاح الذي ينتظر لحظة الإعدام.

88 دقيقة ليست كافية للتحقيق في تلك الصلة بين المجرم الذي يقبع في زنزانته والجريمة ولكنها كافية زمنيا لقتله. وخلال هذه الفترة الزمنية تقع حوادث الفيلم المثيرة والشائقة بين المطاردة من المجرم والمجرم المسجون الملاحق من الخبير والمطلوب منه الآن وبسرعة تأكيد صحة وجهة نظره وإثباتها بالأدلة الدامغة.

السيناريو شائق وسريع في لقطاته لأنه قرر أن ينجز الفيلم خلال فترة 88 دقيقة ما أعطى قوة غير منظورة لتداعيات الملاحقات المترافقة مع الذكريات ومشاهد التعذيب. ويبقى المجرم يطارد والخبير يلاحق الأدلة إلى أن ينجح في مهمته في اللحظات الأخيرة ويكتشف تلك العلاقة الخفية بين تلميذه (محامية شابة) تحضر دروسه وتتابع محاضراته وتعلم عنه الكثير وتمتلك معرفة عن شخصيته القلقة وخصوصية علاقاته. في اللحظات الأخيرة تسقط المحامية صاحبة العلاقة بالمجرم المتسلسل في شباك ملاحقة الخبير الذي أيقن أن السفاح هو من يخطط ويدير اللعبة من زنزانته لزرع الشك في التهمة وأخذ البراءة والإفراج عنه ليواصل لعبته المتسلسلة. وهذا الأمر لم يحصل في الدقيقة 88 من الفيلم

العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً