عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية تجاه إيران نجد أن الأميركيين خُذِلوا في كل مرة. كان تدخل الأميركيين الزائد على حده أحد الجذور الكثيرة للثورة الإيرانية في العام 1979، والتي كانت بدورها عنصرا في جعل الشرق الأوسط مكانا أكثر خطورة للأميركيين. وثبت ذلك بشكل وحشي يبقى في الذاكرة عندما تم أخذ أميركيين رهائنَ. عندما تسلم جورج بوش الابن الإدارة، كان هناك تفاؤل كبير بأنه - من خلال سجله البراغماتي - سيكون بالنسبة إلى إيران كما كان نيكسون بالنسبة إلى الصين.
إلا أنه منذ 11 سبتمبر/ أيلول2001، تحوّلت الولايات المتحدة من توجه سياسة خارجية متعددة الأطراف إلى الأحادية العدوانية. وعلى رغم الرسائل الوفاقية التي صدرت عن إيران بعد 11 سبتمبر والهدف الاستراتيجي المشترك لإزالة وجود «طالبان» من أفغانستان، اتخذ بوش ومستشاروه قرارا بالنظر إلى إيران على أنها عدو. كانت اللغة الصادرة عن الإدارة عنيفة إلى درجة أن الكثير من المراقبين يرى النزاع المسلح مع إيران أمرا لا مناص منه.
على بعد آلاف الأميال تبوأ زعيم متشدد آخر منصب القيادة. فاز رئيس بلدية طهران محمود أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسية العام 2005. مثله مثل بوش، الرئيس أحمدي نجاد عُرضة لإطلاق تصريحات لا تشجع على الدبلوماسية والتفاوض، مثل تأكيداته العلنية أنه يجب «محو (إسرائيل) من على الخريطة»، وعكس سياسة الباب المفتوح للمعتدل الذي سبقه تجاه المنظمات الدولية، وإداناته المتنوعة بوش والتي تضفي غشاوة على الخط بين انتقاد السياسة والهجوم الشخصي.
تصرفات كل من إدارتي بوش وأحمدي نجاد وسياساتهما تعود بالضرر على الجو المتوتر أصلا في الشرق الأوسط. إلا أن لدى إيران والولايات المتحدة الكثير لتتعلماه من بعضهم بعضا على رغم الفروقات في العقيدة والثقافة والمنظور العالمي.
يستطيع بوش الاستفادة سياسيا من خلال اتخاذ موقف متشدد ضد دولة إسلامية في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، ويستطيع أحمدي نجاد تجميع الدعم لنظامه من خلال إبراز شرور الحرب الأميركية في العراق ودعمها «الكيان الصهيوني» في «إسرائيل»، إلا أن نتائج الاستطلاعات والجماهير الهاتفة ليست سوى مكاسبَ عابرة، فهي تتجاهل إمكانات علاقة يمكن أن تكون لها نتائجُ إيجابية تؤدي إلى استقرار المنطقة لسنوات عدة مقبلة.
ويبدو أن هناك فجوة في كل من البلدين بين رغبات الشعب وتصرفات الحكومة. فبحسب استطلاع أجرته مؤسسة «سي. إن. إن» للرأي في يونيو/ حزيران 2007، لم يعبّر سوى 30 في المئة من المُستَطلَعين عن موافقتهم على الحرب في العراق. وإذا أخذنا الجو السائد في الاعتبار فأية مواجهة عسكرية مع إيران لن يكون لها من يدعمها.
عبّر الأميركيون حديثا عن معارضتهم الحكومة وسياساتها في صناديق الاقتراع وسيطروا على السلطة التشريعية، منتزعين إياها من أيدي حزب بوش الجمهوري، في انتخابات اعتُبِرت بشكل واسع على أنها استفتاء على سياسة الإدارة الحالية الفاشلة في العراق. اضطر وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد المفكر والمخطط العسكري لسياسة الشرق الأوسط ما بعد 11 سبتمبر إلى أن يستقيل في أعقاب الانتخابات الجديدة.
بالمثل عبّر الشعب الإيراني - الذي يبلغ ثلثاه أقل من 30 سنة من العمر على رغم الكبت الذي يُفتَرض أنهم يرزحون تحته - عن رغبتهم في التغيير، عن طريق الاحتجاج والمنشورات الإلكترونية والانتخابات.
كما نتج من انتخابات المجالس البلدية المجراة أخيرا في طهران فوز اثنين من أنصار أحمدي نجاد وأحد عشر من معارضيه. وأشار استطلاع أجرته في مايو/ أيار 2005 جامعة أمير كبير أن 5 في المئة إلى 10 في المئة فقط من المُستَطلَعين يدعمون المحافظين الدينيين على حين يدعم 85 في المئة الديمقراطية العلمانية، وهي أرقام قام على أثرها الصحافي وكاتب العمود توماس فريدمان بإطلاق اسم «الدولة الحمراء الأخيرة» على إيران.
من الواضح أن المواطنين في كلٍّ من إيران وأميركا يركزون بصورة أكثر على حل المشكلات القائمة أكثر مما يركزون على إيجاد مشكلات جديدة.
هناك حاجة إلى تغيير المواقف والتحول في اللغة في إدارة بوش. وعلى رغم أن إيران تشكل بالتأكيد منافسا استراتيجيا في الشرق الأوسط فإن هذا لا يجعلها «شريرة». وعلى رغم أن الرئيس الإيراني قد لا يعبر عن عرفان كاسح نحو لغة أكثر مهادنة، فإن الجمهور الرئيسي يجب أن يكون الشباب في إيران، فهم الأكثر ليبرالية وذوو عقلية ديمقراطية وعلى درجة من النشاط السياسي أكثر من الأجيال السابقة. من الأهمية بمكان العمل بقوة وعدالة لحل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني وإزالة ظهور أفراد وأنظمة وممثلين من غير الدول، هم عبارة عن راديكاليين متطرفين يعيشون على النزاعات في المنطقة.
حتى يتسنى لإيران أن تصبح قائدة إقليمية في منطقة هي الأكثر اضطرابا في العالم يجب على أحمدي نجاد التصرف بطريقة تثير الاحترام. عليه أن يوقف معونته لحزب الله في لبنان والميليشيات الشيعية في العراق. الانخراط في اثنين من أكثر النزاعات دموية في هذا العقد - بشكل مباشَر أو غير مباشَر - ليس أمرا يجتذب دعم شعب يشعر بأن احتياجاته المحلية لا يجري التعامل معها.
بعد 11 سبتمبر وغزو العراق وحرب «إسرائيل» مع حزب الله، إضافة إلى غيرها من النزاعات المستمرة في المنطقة، هل نحن بحاجة إلى المزيد من الحديث عن العنف؟ يستطيع هؤلاء الرجلان إما السير في طريق الكارثة والدمار وإما في طريق الأمل. نصلي كي يختارا الطريق الثاني.
* طالب في العلوم السياسية والاتصالات ودراسات الإعلام بجامعة تفتس، ودايفس ديافاس يتخصص في العلوم السياسية بجامعة مينيسوتا. وقاما بكتابة هذا المقال جزءا من برنامج سوليا للحوار عبر الثقافات، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند».
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1872 - الأحد 21 أكتوبر 2007م الموافق 09 شوال 1428هـ