الطاقات الشبابية البحرينية في طريقها دوما للتفجر عما تكتنفه أنفسهم من أفكار إبداعية خلاقة، تبحث لها عن الخرم الصغير لكي تتدفق منه بحثا عن نور الشمس الذي طالما كان خفيا عن أنظارهم، ليأتي صباح ذلك اليوم الذي يجد كلُّ منهم فيه ذاته.
محترف رواد رأس الرمان التشكيلي كان له دور في أن يحتضن مجموعة شبابية متميزة، قدم لهم الأرض لكي يقفوا عليها ويقدموا ما كان حبيسا لديهم من طاقات إبداعية في مجالي الخط والتشكيل، من خلال معرض حروف نابضة الأول، الذي احتواه المحترف التابع لمركز شباب رأس الرمان الثقافي، برعاية ودعم من رئيس مجلس إدارة نادي النجمة الشيخ هشام بن عبدالرحمن آل خليفة.
مدير محترف رواد رأس الرمان التشكيلي حسين ميلاد، الذي بدا فخورا بهذا الإنجاز الطموح الذي قدمه المحترف لهذه المجموعة التي تكونت من الفنانين محمد رضا، ثريا حماد، حسين فتيل، نسرين ناصر وصالح الوادي، والذين قدموا تجارب أولية لفنونهم، آملين أن تتطور هذه التجارب وتستمر.
حسين ميلاد ذكر أن المحترف «يضع برنامجا سنويا طموحا، نسعى لتحقيقه بحسب الظروف المادية والإمكانيات، إلا أن مشروع حروف نابضة الأول كان مبادرة من الشباب، الذين قدموا تصورا لإقامة معرض للخط في المحترف، فأخذنا في تداول الفكرة لمدة 4 أشهر، للإطلاع على الأفكار وتحديد الاحتياجات والتعرف على التوجهات، فاتفقنا على أن يكون معرضا تشكيليا مبنيا على الخط، إذ يقوم تصميم اللوحة مرتكزا على حرف أو حرفين ومعالجتها باللون، والإطلاع على تخطيط العمل وعلى أي نمط يرتكز، والتوليفة المتبعة كتصميم من البداية، كشكل الخط ومساحات التوازن والحيثيات والجزئيات»، مضيفا «سعينا ألا يكون المعرض قواعدي بحت، يتنافس فيه كل شخص بتمكنه من الخط العربي، فكان بعضهم متقدمين في مراحل الخط، والبعض الآخر تعتبر هذه أول محاولة لهم في هذا التوجه، فأقمنا ورش عمل، واشتغل الشباب في عطل نهاية الأسبوع، وأخذوا في وضع الأعمال ودراستها، حتى أنجز كل فنان 4 أعمال أو أكثر، واكتملت المجموعة بالعدد الذي يضمن عدم ازدحام المعرض وتراص الأعمال كي يركز المشاهد على ما هو أمامه».
وذكر ميلاد عن المشاركة النسائية ولمساتهن في المعرض أن المركز يسعى في برامجه دوما لأن يكون العنصر النسائي متواجدا، وذلك لنفي فكرة تهميش المرأة مؤكدا أن «المركز موجه للشباب من الجنسين، فحتى المعارض العامة التي نقيمها لفناني رأس رمان، رغم أن فترات طويلة تمر حتى نعيد إقامتها، فإن هذا المعرض الكبير لا يخلوا من 8 فنانات على الأقل من مجمل 30 فنانا عموما»، مضيفا «كان معنا في هذا المعرض فنانتين، كان مستوى عملهم جيدا مقارنة مع غيرهم، وكانت الصبغة النسائية للعمل أنضج في توظيف الديكور والأسلوب المغاير، وهذا النضج كان ممتازا لأنهم في محاولة دائمة وجادة لتطوير الأعمال التي يقدمون ما هو أفضل».
أما عن الأنماط الموظفة في الأعمال وتراوح مستواها بين الاحترافي والبسيط فذكر قائلا «هذا النمط ليس جديدا، واشتغل عليه فنانون كثيرون، ولكن بين اللوحة التي فيها موضوع اجتماعي وفكري بحت، وبين التركيز على موضوع بصري فيه هوية كهوية الخط العربي، فجميل أن تعيد العمل فيها لإعادة تجسيد شيء من الهوية، وقد لقي ذلك استحسان الجميع، فلم يقل الحضور يوم الافتتاح عن 100 شخص، وهو أمر ممتاز بالنسبة لنا، إذ تفاوتت فئات أعمار الحضور بين الشباب من الجنسين والمختصين المهتمين في الفنون التشكيلية، وهذه نقطة تحسب لنا، فظهر الفرق بين خبرات وتجارب الفنانين من خلال أفضلية لدى الأعمال المقدمة».
الأعمال رسالة سلام
وفي حديث مع الفنان صالح الوادي، ذكر أنه يخوض مثل هذه التجربة للمرة الأولى، بتشجيع من الزملاء المشاركين معه من شباب وشابات، إذ وجد أن أعماله المقدمة «كانت متواضعة وتم تقديمها بسرعة، غير أننا كنا متشوقين للدخول في هذه التجربة الجديدة، فأنا معتاد على الخط على الورق، وهذه أول مرة لي استخدم فيها الفرشاة والألوان».
الوادي وجد هذه التجربة مفيدة، وذلك بحضور كبار الخطاطين في البحرين وتفاعلهم مع المعرض، الذي وجده تفاعلا ممتازا وبناء، معلقا « كان الحضور في المعرض راقٍ وكبير، شارك فيه كبار الخطاطين في البحرين، وقد تفاعلوا مع ما قدمناه وأبدوا لنا الملاحظات، ومن بين ما شجعنا أن أشخاصا من دول الخليج كانوا على تواصل معنا بعد أن عرفوا عن أخبار المعرض، وعتبوا لعدم تمكنهم من الحضور، نتيجة لأن المعرض أقيم بسرعة ولم نتوقع له كل هذا النجاح، حتى أن الجمهور لا يزال يتدفق على المعرض لمشاهدة ما فيه من أعمال».
أما بشأن الأفكار التي قدمها صالح الوادي في الأعمال، فذكر بالقول « الأفكار عندي، لكن الشباب هم من شجعوني على تغيير أسلوبي، وفي هذا الصدد أتوجه بالشكر للفنانة ثريا حماد التي اكتشفت موهبتي، والفنان حسين فتيل الذي صقلها بتشجيع من الخطاط الكبير محمد علي البحارنة، فأنا أدرس الخط منذ افتتاح مدرسة البحرين للخط العربي عام 1989، وتدربت على أنماط الكتابة المختلفة، لكن أعمالي ضلت حبيسة الأدراج، ولكن لقيامي بتدريس الأطفال خلال العامين الماضيين في المركز على فنون الخط، فقد شجعتني ثريا حماد على الخوض في هذه التجربة، وأعطوني دورات مكثفة للخروج بهذه التجربة، وأنا أقدم من خلالها اليوم بثا لرسائل السلام ورد الإحسان للوالدين».
اعتياد الناس أفقد الإحساس
أما الفنان ومدرس الفنون بجمعية البحرين للفنون التشكيلية حسين فتيل فقد وجد أن هذه التجربة نابعة من «حب الحرف العربي أولا، وثانيا لإدخال الحرف بصورة حديثة مع اللون، فعندما يمتزج الحرف باللون، يتكون نوع من التزاوج والمناسبة حينما يكمل كل منهما الآخر، حتى وإن كان لكل فنان أسلوبه المغاير، فإن ما يجمعنا هو الحرف واللون».
ويعرف فتيل تجربته قائلا « تجربتي بالنسبة للحروف ليست وليدة اللحظة، وهي قديمة، خصوصا أنني رسام قبل أن أكون خطاطا، أحب اللون وأدخله على الحروف ليعطيني لوحة تشكيلية مائلة للحروفيات وفيها جزء مرسوم، أعمالنا نابعة من الدين الإسلامي الذي يعتبر فيه الخط من تراثنا، وهناك مقولات كبيرة لفنانين كبار، يفخر بتذكرها الشخص وهو يعمل في الحرف العربي، خاصة حينما يقول بيكاسوا إن أقصى نقطة قد وصلت إليها بالرسم، سبقني إليها الخط الإسلامي، فأنا في هذه النقطة في سباق بين الخطاطين من ناحية جمالية اللوحة الخطية أيضا، والحكم على اللوحة هو الزائر الذي تأسره لوحة دون أخرى، وليس الفنان حينما يقول إن هذا الأسلوب أفضل من ذاك، فالزائر الذي تأسره لوحة بشكل أكبر هي الأكثر نجاحا».
وبين العمل البسيط الذي يقرأه الجميع، إلى العمل المركب الذي يتطلب خبرة بصرية لاستشفاف خفاياه، ذكر فتيل أن «هناك غموضا متعمدا في العمل الفني الذي قدمته في المعرض، فليست كلها واضحة، وفيها مواضع يمكن أن ترى بوضوع، وهناك غموض في بعض النقاط، فأنا على علم بأن الفن والعمل الفني هو رحلة من المعروف الظاهر إلى المجهول الخفي، وذلك يجعلني أوازن في إعطاء المشاهد الذي يتأمل اللوحة والجمال الذي فيها ما يريد دون أن أضع حاجزا بيني وبين الإنسان البسيط الذي يريد قراءة هذا العمل الذي أمامه، وبين احترافية العمل، وهو ما يجعلني أسأل عن سبب رسم البعض أعمالا لا يستطيعون هم أن يقرؤها»؟
أما الأسرار الكامنة في الخط العربي فذكر عنها فتيل بالقول «من ضمن أسرار العمل الخطي، وجينما نقوم بتدريسه، فإننا نعلم الشخص الحرف، ونعرفه بأسراره في ناحية صعود الخط وانحداره، المدة والنفس الذي يتنفسهما، الصعود والانحدار، متى يكون رفيعا ومتى يكون سميكا، كلها تفاصيل نفتقر إلى من ينقلها للأجيال القادمة عبر مدارس مختصة تتلقى رسوما رمزية، وهو ما يجعل جماهيرنا ورواد مدارسنا من الأجانب أكثر من البحرينيين الذين يبحثون عن الجمال الذي يفتقدونه، ولكن، لأنه موجود عندنا فنحن نتجاهله، علما بأن للغة العربية 15 نوع من الخطوط الأصيلة»
العدد 2274 - الأربعاء 26 نوفمبر 2008م الموافق 27 ذي القعدة 1429هـ