لا وصف غير الشكر يليق بالحلقة المباشرة التي بثها تلفزيون البحرين قبل يومين، واستضاف فيها ثلاثة ضيوف من بينهم عضوان في السلطة التشريعية وثالث يرأس جمعية سياسية معتدلة لتحليل خطاب جلالة الملك في افتتاح المجلس الوطني.
ما شاهدناه من مستوى عالٍ من الصراحة والجرأة في الطرح والنقاش يجب أن يشكر عليه التلفزيون بدءا من وزير الإعلام حتى المذيع الشاب علي حسين، وحسنا أنْ نتعامل مع قضايانا ومشكلاتنا الداخلية بهذا الحس العالي من الجرأة والمسئولية.
الضيوف الثلاثة (النائب جاسم حسين، عضو الشورى سميرة رجب والأمين العام لجمعية الوسط العربي الإسلامي جاسم المهزع) طرحوا آراءهم بكلّ حرية وشفافية، ونتمنى أن تكون هذه الحلقة هي القاعدة وليست الاستثناء في شاشة العائلة العربية!
نعم، ربما شهدت الحلقة بعض المحطات المؤسفة من تقاذف الاتهامات، ولكن الأهم أنّ تلفزيون البحرين بدأ يتجّه خطوة متقدّمة وحقيقية إلى الأمان، ويجب أنْ تلقى هذه الخطوة ترحيبا من مختلف أوساط المجتمع المدني، و لن تكون شاشة الجزيرة ولا أية شاشة عربية أو أجنبية أخرى ذات حظوة أفضل منّا إذا أصبح التلفزيون الوطني حاضنا لمختلف التوجهات السياسية، حتى تلك التي لا تتفق مع وجهة النظر الرسمية في حلحلة القضايا الوطنية.
موضوع الحوار كان مهما، فخطاب جلالة الملك -حفظه الله- في افتتاح المجلس الوطني وحديثه المتكرر وحرصه هو التأكيد على أنّ الوحدة الوطنية هي صمام الأمان هو مصدر فخر واعتزاز ووسام شرف على صدور الجميع، ولكن في النهاية يبقى على الحكومة أنْ تحوّل هذا الخطاب إلى واقع يراه الناس، ويجب أنْ ينادي الإعلام صراحة إلى وقف عملية التمييز السياسي والمذهبي والعرقي والعشائري، ويجب أنْ تعزز الحكومة مفهوم الولاء لدى المواطنين من خلال جرعات أكثر من الشفافية والعدالة.
على رغم كلّ المعاناة، تحيّة حارة وقبلة صادقة إلى تلفزيون البحرين وإلى كلّ المخلصين الذين يحسنون تشخيص الداء، ويعرفون أنّ فرص علاج أمراضنا لن تأتي عن طريق المجاملات، ولا أحسب أن هناك مَنْ يعارض منطق الإصلاح الشعبي المتدرّج إذا تأكّد المرء أنه صادر عن نيّة صادقة ورغبة لا يساورها شك في إمكان التغيير الطبيعي التراكمي؛ لأنّ عملية التغيير الاجتماعي تحتاج إلى قدر كبير من الإرادة وقدر أكبر من الجرأة والنقد الذاتي والسماح ببدء تحوّل منهجي مدروس نحو تنمية حقيقية.
الأمن الوطني يجب أن يرتبط أوّلا بمستوى العدالة الاجتماعية وتعزيز الحريات العامّة وعدم تضييق الخناق على الناس، ويجب زرع ثقافة المراجعة وعدم التراجع، فلا مجال اليوم لأن نكابر أكثر، لأنّ الزمن ليس في صالحنا، ويجب أنْ نطوّر ما هو في متناول اليد أنْ نضع أيدينا؛لنعلن مشروعا إصلاحيا حقيقيا يشعر المواطن بأنه له صوت يسمع.
يجب أنْ ترتقي المضامين الإعلامية إلى مستوى الحدث، ويجب أنْ نخرس كلّ منبر يدعو أو يعمل على بث الفرقة، دعونا نتنفس الصعداء؛ لنستشق هواء ليس ملوثا ولنوجّه دفة التطوّر السياسي والاقتصادي بما يمنحنا فرصة أكبر وأوفر نجاحا في تحقيق قصب المبادرة للالتحاق بالعالم المتحضّر من خلال ملكية دستورية حقيقية على غرار الديمقراطيات العريقة التي وعدنا بتحقيقها.
لا نحتاج في هذا الظرف مطلقا إلى إرسال أو استقبال إشارات سلبية «signal BAD» إلى أي طرف وطني، لا من العائلة الحاكمة ولا من الشعب الذي ناضل طويلا من أجل الديمقراطية، ولكن يجب أنْ نرفض أية عملية اقصائية لأي طرف وطني، وبصراحة شديدة، لا قيمة للمواطنة من دون مساواة وعدالة اجتماعية، ويجب أن أشعر أنني مواطن في المقام الأوّل، فنحن بحاجة؛ لأن نتذوق طعم انتمائنا أوّلا!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1871 - السبت 20 أكتوبر 2007م الموافق 08 شوال 1428هـ