فقدت البحرين أمس رائدا من روّاد النهضة البحرينية الحديثة، المرحوم الأستاذ أحمد العمران، الذي تولّى إدارة دائرة المعارف في العام 1945 وتسلّم إدارة التربية والتعليم في 1960، وتسلّم وزارة التربية والتعليم بعد الاستقلال لمدة عام واحد حتى نهاية 1972.
الوزارات كانت تسمّى إدارات قبل الاستقلال، وهو الاسم الأكثر حميمية، وهو أيضا المستخدم في عدّة بلدان متقدمة لحد الآن... كما أنّ وزارة التربية والتعليم كان اسمها «إدارة المعارف» وهو الاسم الأكثر لياقة بمهماتها من الاسم الذي انتشر لاحقا (التربية والتعليم).
الفكرة التي انتشرت في البلاد العربية بعد ثورة الضباط الأحرار في مصر في الخمسينات من القرن الماضي أنّ «التربية القومية» أهم من المعرفة، والتعليم دوره ثانوي، وربما يعتمد أكثر على التلقين بدلا من التفكير الخلاق. وعليه فقد عاشت البحرين عهد الازدهار عندما كانت المعارف هي الأهم، وكان كثير من أبناء الدول الخليجية الأخرى يأتون إلى البحرين لاستلهام المعارف، وعدد من الشخصيات الخليجية المؤثرة والمعروفة حاليا وفي الماضي القريب كانت قد نهلت من المعارف المتوافرة في البحرين، وهي تراها تفتخر بذلك التاريخ الناصع الذي كان يجتذب الكثيرين.
العمران كان رائدا أيضا في تأسيس معهد للمعلمين وآخر للمعلمات في منتصف الستينات من القرن الماضي، وكان هذان المعهدان يطوران الموارد البشرية التي تحتاجها البحرين، ولكن في أواخر السبعينات أُغلِق المعهدان بعد افتتاح كلية البحرين الجامعية، التي لم تتخصص في المعلمين، وإنما كانت عامّة وتوفر مناهج مختلفة. ولكننا الآن نكتشف أننا بحاجة إلى العودة إلى الفكرة ذاتها التي طرحها العمران، ونحن الآن نترقّب إعادة تأسيس مؤسسة أكاديمية لتخريج المعلمين، وسيطلق عليها «كلية المعلمين».
عندما نراجع تاريخ رجالات البحرين في القرن الماضي نتعرف على سرِّ تفوُّقنا حينها، ونتطلّع إلى استعادة مجد بلادنا من خلال استلهام تلك الدروس النيِّرة والبناء عليها. فنحن بحاجة إلى مؤسسة تعليمية تهتم بالمعارف وتطوير المهارات أكثر من حاجتنا إلى «التربية القومية» التي تحوَّلت منذ الثمانينات من القرن الماضي إلى مزيج غير متجانس من التربية «القومية» والتربية «الدينية - الطائفية».
إننا بحاجة إلى مدارس المعارف الحديثة التي انطلقت في البحرين قبل أن تنطلق في دول الخليج العربية الأخرى، وبحاجة إلى أن نتذكر بأنَّ أفضل الإداريين هم الذين طورت مهاراتهم شركة بابكو آنذاك، ونحتاج إلى أن نرجع إلى تدريس المعرفة التي تنتج إنسانا مفكرا وخلاقا وليس شخصا حفظ أهازيجَ ورواياتٍ تدمِّر أكثر مما تبني... إننا بحاجة إلى أن نستذكر قيمة شخصية مهمة في تاريخ المعارف البحرينية، المرحوم الأستاذ أحمد العمران.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1871 - السبت 20 أكتوبر 2007م الموافق 08 شوال 1428هـ