في المشهد الأميركي نجد نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني، يحبّذ ضربة عسكرية جوية وبحرية وصاروخية قاصمة لإيران، وتحديدا إلى كلّ بُناها التحتية العسكرية والمدنية، فضلا عن البنى الاقتصادية والنفطية وقطاع الاتصالات والمواصلات على تنوعه، وذلك في مارس/ آذار المقبل حدا أقصى.
وقد سبق لهذا الرجل الحاقد على الإسلام والمسلمين - والذي يقود المحافظين الجدد - أن قام بعدة جولات في المنطقة لإقناع أكثر من دولةٍ عربية، ولاسيما دول الخليج، بمواجهة إيران واعتبارها عدوا خطرا لابدّ من مقاطعته ومحاربته؛ لأن إيران تمثّل الدولة الإسلامية التي تحاول الأخذ بأسباب القوة في خطة الدفاع عن نفسها وعن مقدراتها الاقتصادية وتتحرك في موقع الصمود بالإصرار على ملفها النووي السلمي، على رغم الضغوط الدولية القاسية في قرارات العقوبات من مجلس الأمن بقيادة أميركا وبريطانيا وفرنسا...
هذا إلى جانب تأييدها حركات التحرر في فلسطين ولبنان ومواجهتها الاحتلال الأميركي في العراق، ورفض اعترافها بـ «إسرائيل» باعتبارها دولة غاصبة للفلسطينيين في احتلال أرضهم ورفض عودة اللاجئين إليها.
ونحن نعتقد أن هذه الخطة الأميركية لن تحقق الكثير من النجاح في عدوانها المرتقب، بل إنها ستجلب الدمار إلى المنطقة - التي تتمثل فيها القواعد العسكرية الأميركية والثروات النفطية - وتحرق الأوضاع السياسية في الخليج، في الوقت الذي لاتزال هذه الدول ترفض الحرب ضد إيران؛ لأنها لا ترى فيها أيّ وضع يكفل لها الأمن والاستقرار.
من جانب آخر، إن الجدل لايزال يتحرك بشأن خطة السلام الأميركية في مؤتمر الخريف القادم الذي يتحدث عن دولتين فلسطينية وإسرائيلية من خلال المفاوضات الدولية التي قد يتصوّر بعض المسئولين العرب وفي مقدمهم السلطة الفلسطينية أنها قد تجلب لهم الحلّ، ولكننا نلاحظ أن اللقاءات المتتابعة بين رئيس وزراء «إسرائيل» إيهود أولمرت وفريقه والرئيس الفسلطيني محمود عباس وفريقه، لم ولن تنتج أية وثيقة سياسية تؤكد الخطوة الأولى نحو حلّ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو الفلسطيني ـ الصهيوني، وهذا ما صرّح به رئيس وزراء العدو معلنا أن توقيع معاهدة السلام بعيد جدا، ومؤكدا لبعض وزرائه أنه لن يثير قضية القدس في المفاوضات لأنها لاتزال من المقدسات اليهودية بصفتها عاصمة سياسية ودينية للدولة العبرية...
ولاتزال الاغتيالات والاجتياحات والمجازر الوحشية للمدنيين تلاحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية في نطاق صمت دولي وعربي؛ لأن هؤلاء يخافون أن تكون احتجاجاتهم ذات تأثير على المؤتمر القادم.
إننا ندعو الدول العربية وشعوبها والدول الإسلامية ومسلميها إلى الوعي للمرحلة الحاضرة التي تتحرك فيها الخطة الأميركية المهيمنة على المنطقة كلها وعلى العالم كله في تحالف استراتيجي مع «إسرائيل» التي تحاول النفاذ إلى كل بلد تدخله أميركا لمصادرة ثرواته والعبث بسياساته وإدخال مخابراتها في مفاصل الواقع كله، ولاسيما في العراق وإفريقيا وفي أكثر من دولة عربية من الدول التي وقّعت الصلح معها أو دخلت في نسيجها الداخلي؛ لأن هناك أكثر من خطر يتهدد العالمين العربي والإسلامي، بل إنّ «إسرائيل» لم تصنع دولة في المنطقة من قِبَل دول الغرب إلا لإرباك واقعها السياسي والاقتصادي والأمني لتبقى «إسرائيل» الدولة الأقوى بحسب التخطيط الأميركي، حتى إن الدول المتحالفة مع أميركا لا تأمن على نفسها من الضعف الذي يخطط لها حتى لا يُسمح لها بأن تكون في موقع القوة الذي تملكه في عناصر وجودها.
أما لبنان - الذي تستعيد بعض القوى فيه قرارات مجلس الأمن التي تمثّل التدخل في شئونه الداخلية كالقرار 1559 - فالمطلوب منه أميركيا وإسرائيليا، إضافة إلى بعض المواقع الداخلية، الضغط على المقاومة التي لم تأخذ بأسباب القوة إلا للدفاع عن الوطن ضد عدوان «إسرائيل»، كما حدث في المراحل السابقة في العام 2000 وفي العام 2006، وهذا غير مسموح به لدى أكثر من فريق ممن كانوا يصفقون ويهتفون لها ثم أصبحوا ـ بفعل الوحي الأميركي ـ يرجمونها بالحجارة، في الوقت الذي أكدت المقاومة أن سلاحها لن يحرك للداخل، بل للرد على العدوان في الظروف الحاضرة التي لا يملك فيها لبنان الدولة أية استراتيجية قوية فاعلة للدفاع عن نفسه ولا يجد أية خطة لتسليح جيشه بما يحقق له القدرة على مواجهة العدوان.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن غول الغلاء الذي تحوّل إلى وحش اقتصادي يأكل كل مدخرات الناس، سواء من ناحية الفوضى في زيادة أسعار الحاجات الضرورية أو في الضرائب التي تفرضها الحكومة في الأمور الحيوية. وربما يتحدث بعض الناس عن أن هذا الواقع الذي يوصل الناس إلى أدنى مستوى من الفقر قد يشجّع البعض على إغراء بعض الفقراء ببعض المال من أجل التصويت لزعيم أو سياسي هنا أو الحضور في مهرجان هناك للذين جمعوا ثرواتهم من أموال الناس واستخدموها للوصول إلى مواقعَ سياسية.
إنه المال السياسي الذي انحرف بالبلد فأبعد كفاءاته ودفع أولئك الذين يقفون على الأبواب من أجل الحصول على الأثمان لمواقفهم هنا وهناك.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1870 - الجمعة 19 أكتوبر 2007م الموافق 07 شوال 1428هـ