وعلى المستوى العربي تقدر التقارير الدولية نسبة السكان الفقراء في البلدان العربية بما يتراوح ما بين 2.5 في المئة و3.5 في المئة من إجمالي السكان (بحسب خط الفقر الدولي، أي دولار في اليوم للشخص - بحسب تعادل القوة الشرائية). وهي النسبة الأقل بين مناطق العالم. لكن إذا احتسبت نسب الفقر على أساس دولارين في اليوم للشخص الواحد، فإن نسبة السكان الفقراء تقفز من 2.5 في المئة أو 3.5 في المئة إلى 31.5 في المئة.
لكن إذا تناولنا واقع الفقر في البلدان العربية ذات الثقل السكاني، فسنكتشف أن غالبيته يقع في مرتبة متأخرة من حيث التنمية البشرية بين دول العالم الـ 177، وفق تقرير التنمية البشرية للعام 2006 : الجزائر 102، مصر 111، المغرب 123، السودان 141، اليمن 150، وتشير دراسات معاصرة إلى انهيار الطبقة الوسطى العربية التي شكلت شريحة أساسية في المجتمعات العربية أواسط القرن الماضي، ما أدى إلى تراكم الفقراء في أحزمة البؤس المحيطة بالمدن العربية التي باتت تشكل أكثر من 56 في المئة من العرب، وإلى تفاقم الهوة بين الأغنياء والفقراء منذ الثمانينات. فوفقا لتقرير التنمية البشرية للعام 2006 يبلغ نصيب الـ 10 في المئة الأفقر من السكان العرب قياسا إلى الـ 10 في المئة الأغنى، 2.7 إلى 30.6 في الأردن، 2.3 إلى 31.5 في تونس، 2.8 إلى 26.8 في الجزائر، 3.7 إلى 29.5 في مصر، 2.6 إلى 30.9 في المغرب، 3 إلى 25.9 في اليمن.
وبالاستفادة من الدراسات الاجتماعية المعاصرة، فإن المجتمعات العربية تميّزت بالانقسامات الطبقية الحادة، إضافة إلى الانقسامات الفسيفسائية الأخرى. في هذا السياق رأى الباحث الاجتماعي حليم بركات أن البنية الطبقية في العالم العربي هي بنية هرمية تشكل قاعدتها الواسعة الطبقات الدنيا.
لكن على رغم هذه الصورة القاتمة لواقع الفقر في العالم، تبقى هناك بعض المحاولات التي تبعث الأمل، بما فيها محولات على المستوى العربي. لعل من أبرز المساعي العالمية القابلة للتحقيق لمحاربة الفقر هي محاولات محمد يونس الذي عمل سنوات طويلة كأستاذ اقتصاد في جامعات بنغلاديش والحائز جائزة نوبل للسلام وليس للاقتصاد. لقد وضع يونس أسس نظام تمويل غير تقليدي يقوم على تقديم القروض الصغيرة للفقراء، وساهم في إعداد الكثير من الدراسات الاقتصادية عن هذا النظام.
بدأ يونس بتقديم قروض لا تتجاوز قيمتها 27 دولارا لمجموعة من السيدات في قرية مجاورة للجامعة التي كان يعمل بها في العام 1976، وتحولت فكرته إلى بنك «جرامين»، وهي كلمة تعني «قروي» باللغة البنغالية، وأصبح أول بنك في العالم يقدم القروض للفقراء الذين لا ترغب المصارف التقليدية في إقراضهم.
وعبر سنوات عمله، قدم البنك قروضا لنحو 6.6 ملايين فرد، 97 في المئة منهم من النساء، في نحو 700 ألف قرية. ويشترط البنك أن يتم سداد القرض بالكامل قبل منح أي قرض جديد، وبلغت نسبة سداد القروض فيه 99 في المئة، وهو مؤشر على نجاح القروض التي يقدمها البنك.
وتحول «بنك جرامين» أو بنك الفقراء كما اشتهر، إلى نموذج تم تقليده في بلاد كثيرة بأسماء مختلفة، لكن المفهوم واحد: تقديم قروض صغيرة للفقراء لتمويل مشروعات صغيرة تهدف لإخراجهم من الحلقة المفرغة للفقر.
وعلى المستوى العربي تلقف «أجفند» - المشروع غير الربحي الذي يقف وراءه الأمير طلال بن عبدالعزيز - انطلاقا من دوره الطليعي والمتميز في أوساط المؤسسات التنموية الإقليمية، بغية المساهمة في ترجمة قرارات قمة الإقراض إلى واقع ملموس من خلال إنشاء وتأسيس بنوك الفقراء في الدول العربية في بادرة تعد الأولى من نوعها على مستوى المنطقة، وذلك بهدف تقديم القروض متناهية الصغر للشرائح الفقيرة في أوساط المجتمعات العربية، إلى جانب استمراره في مواصلة دعم وتمويل الجمعيات الأهلية العاملة في مجال الإقراض متناهي الصغر في شتى دول العالم النامية. في هذا الإطار تولى «أجفند» مهمة الإعداد والتنظيم لعقد المؤتمر الإقليمي للإقراض متناهي الصغر، بالتعاون مع شركائه. وقد جاء انعقاد المؤتمر في العاصمة الأردنية (عمان)، خلال الفترة 10 - 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2004، ليمثل أحد أبرز إنجازات أجفند خلال العام 2004.
ثم جاءت دعوة سمو الأمير طلال بن عبدالعزيز، رئيس «أجفند»، خلال المؤتمر بضرورة إنشاء صندوق عربي إفريقي للإقراض متناهي الصغر ليكون بمثابة مظلة عريضة تضم المؤسسات العاملة في مجال الإقراض متناهي الصغر في إقليم الشرق الأوسط وإفريقيا، أحد الإنجازات المتميزة للأجفند خلال فعاليات المؤتمر. وتهدف بنوك الفقراء العربية إلى تقديم خدمات الإقراض متناهي الصغر لشريحة أفقر الفقراء، اعتمادا على مبدأ الثقة، بعيدا عن القيود والضمانات التي تفرضها الصارف التقليدية، وذلك لرفع المستوى المعيشي لتلك الفئة ولكي تصبح قوة منتجة تعتمد على ذاتها وتساهم في دعم مجتمعاتها.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1870 - الجمعة 19 أكتوبر 2007م الموافق 07 شوال 1428هـ