العدد 1870 - الجمعة 19 أكتوبر 2007م الموافق 07 شوال 1428هـ

إيران في مرمى الاستهداف!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

يعلن كاتب هذا المقال مرة أخرى، وللبعض، شديد اعتذاره وعظيم أسفه لما بدر منه من تحريض على «إتيان الفاحشة» و «إبطال الصيام» من خلال تجرؤه على «ارتكاب» الانتقاد للسياسة الإيرانية في شهر رمضان الكريم، وذلك باعتبارها شأنا سياسيا صرفا من دون أن يدري أن تناول السياسة الإيرانية وإيران بصفتها كيانا سياسيا لابد أن ينعكس على كونها شأنا آيديولوجيا وربما عقائديا حتى رومانسيا، ومن المستحيل الفصل ها هنا بين الشئون والشجون أبدا وخصوصا حينما الهلوسة العصابية مرجعية المواقف والتحليلات والتفكيكات!

هذه المرة سيتجرأ بذات «التجني الدنيء» ولكن من منظور مغاير قد ينفع معه غض النظر لدى البعض الذي مازال محبذا الاحتفاظ بصيامه، إذ سيسعى إلى عرض وجهة نظر الآخر المطلع على السياسة الإيرانية واحتمالات المواجهة والاستهداف الدولي، حسبما جاء في كتاب كبير مفتشي الأسلحة التابعين إلى الأمم المتحدة في العراق السابق سكوت ريتر، والذي جاء بعنوان «استهداف إيران... حقيقة الخطط التي يعدها البيت الأبيض لتغيير النظام».

ولعل ما يعزز من أهمية هذا الكتاب هو في كون صاحبه كان ولايزال من أشد المعارضين للحرب ضد العراق والساعين إلى كشف وفضح الأكاذيب التي سوقتها إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بشأنها، وذلك قبل أن تنطلق تلك الحرب من دون الحصول على شرعية دولية؛ ما أثبت صحة تكهناته وتصوراته عما ستؤول إليه الأوضاع في العراق من فشل حتمي؛ وهو ما دفع المحلل السياسي الأميركي البارز سيمور هيرش إلى تزكيته رؤاه وتصوراته ومواقفه السديدة حيال الحرب ضد العراق فقال: «الشيء المهم الذي ينبغي أن نعرفه عن سكوت ريتر هو أنه كان على حق».

ففي كتابه الأخير يقدم ريتر تحليلات سياسية واستراتيجية مماثلة حيال تطورات الوضع مع إيران وازدياد احتمالات المواجهة العسكرية المفتوحة، وهي تحليلات مذهولة ومشدوهة من وجود تشابه كبير بين حيثيات نذر المواجهة مع إيران والسيناريوهات التي سلكتها مآلات الحملة الهجومية ضد العراق من تصعيدات وتحالفات وإقصاءات للحقائق والخيارات العقلانية المنطقية السليمة، فكتب عن ذلك: «أنا أعرف غالبية الجهات الفاعلة في هذه اللعبة، سواء أكانوا دبلوماسيين في أوروبا، أم جواسيس في إسرائيل، أم مفتشين في الولايات المتحدة. لقد أمضيت ساعات في مناقشة قضية إيران وبرنامجها النووي مع هؤلاء الخبراء، وتوصلت إلى خلاصة مفادها أننا، في القضية الإيرانية، نرى التاريخ يعيد نفسه. وأنا مذهول من أوجه الشبه بين الطريق الجماعية التي سلكتها الولايات المتحدة، وإسرائيل، وأوروبا، وروسيا، والأمم المتحدة بصعوبة نحو الدخول في حرب في العراق بناء على مزاعمَ خاطئة (تزعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل)، وبين ما يرشح بشأن إيران اليوم».

يشير الكاتب إلى تشابه الدور التاريخي الخطير الذي قام فيه «المؤتمر الوطني العراق» بزعامة أحمد الجلبي بتزويد الولايات المتحدة الأميركية بمعلومات مضللة بشأن امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل لاستغلالها واستثمارها إعلاميا والحصول على كل التسهيلات اللازمة لاتخاذ قرار شن الحرب ضد العراق، وذلك بالمقارنة بالدور الذي يلعبه «المجلس الوطني للمقاومة في إيران» وهو يقدم إلى الولايات المتحدة التقارير تلو التقارير المستقاة من قِبل المخابرات الإسرائيلية، وذلك عن سعي إيران المحموم إلى امتلاك الأسلحة النووية، وعن عدم تعاونها مع عمليات التفتيش الدولية التي تقوم بها وكالة الطاقة الذرية عبر محاولاتها المراوغة لتضليل وتعطيل عمليات التفتيش وإخفاء المفاعلات السرية والمناطق التي يتم فيها تخصيب اليورانيوم.

ومثل تلك التقارير التي تعدها المخابرات الإسرائيلية ويقدمها «المجلس الوطني للمقاومة في إيران» يتم اعتمادها قاعدة افتراضية وتصورية للتفتيش عن مساعي إنتاج النووية في إيران والحملة على المصانع والمفاعلات النووية الإيرانية من قِبل «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، وهو ما يعني أن تكون إيران مذنبة حتى تثبت براءتها لا العكس كما تقتضي الأعراف والشروط المبدئية القانونية!

ويؤكد المؤلف أن حملات التفتيش الدولية على المصانع والمفاعلات النووية الإيرانية، والتي اعتمدت على الكثير من العينات الاختبارية بما فيها الغبار النووي وغيرها لإثبات التوجهات الإيرانية للحصول على الأسلحة النووية، وعلى رغم ما رافقها من جدل محتدم وخطوات شد وجذب بين إيران والوكالة و «المجتمع الدولي» في هذا الشأن، فإن من الملاحظ أنه كما كان الوضع سابقا إزاء تفنيد مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل فإنه بازدياد إشادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتعاون الإيراني معها تزداد وتتضخم في الوقت ذاته وبشكل اطراداي رهيب تلك الضغوط الدولية المُصعِّدة باتجاه الحرب، أو بالأحرى الضغوط الإسرائيلية - الأميركية، على إيران والوكالة؛ ولذلك مازال المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي يُصنَّف أميركيا باعتباره «شوكة في الخاصرة»، وربما خصما لدودا لأميركا و «إسرائيل» ومتواطئا ومنحازا إلى الإيرانيين عبر سعيه إلى إفساح أكبر مجال من الوقت لهم؛ وهو ما يتيح لهم تصنيع الأسلحة النووية!

ويذكر المؤلف في الفصول الأولى من كتابه معلومات موثق بها تتحدث عن اعتبار الكيان الصهيوني إيران بمثابة الخطر الأول بدلا من العراق، ويروي عن وجود مساعٍ صهيونية رفيعة المستوى للتعجيل والبدء بمواجهة إيران وضربها وإجهاض مساعيها النووية المهددة بقاء الكيان الصهيوني، إلا أن تلك المساعي اصطدمت بالقرار والموقف الأميركي حيال العراق!

كما أنه يذكر هواجس القلق الدولي من متحصلات نتائج تنصت استخباراتية أثبتت وجود اتصالات إيرانية - باكستانية سرية سابقة لم تتضح ملامحها، إلا أنها صُنِّفت باعتبارها ملامحَ محتملة لوجود تعاون تكنولوجي نووي سابق بين البلدين!

ويورد المؤلف مساعي إيران إلى فتح حوار تصالحي مع الولايات المتحدة بعد احتلال العراق، وما أوضحته للإدارة الأميركية من رغبتها في الدخول في عملية سلمية مع الكيان الصهيوني على غرار المبادرة العربية المشروطة بالانسحاب من أراضي 67.

ويتناول الغضب الإيراني وخيبة الأمل الكبرى التي ألمت بالمرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي حيال موقف الترويكا الأوروبية المنحاز بشدة إلى السياسة والمصالح الأميركية والإسرائيلية فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني وتعاون إيران الإيجابي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ وهو ما أدى إلى تراجع إيراني ملحوظ في الاستجابة لتلك الضغوط ومواصلة التعامل بالروح الإيجابية ذاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ لكون مثل هذا التعاون يشكل إهانة للكرامة الإيرانية ولا يحقق أية منافع تبادلية حقيقية!

وقد استضافت الموسوعة البريطانية حديثا ريتر إلى جانب الكثير من الشخصيات البارزة والمتباينة في موقفها حيال أزمة المواجهة بين إيران و «المجتمع الدولي» وذلك في منتدى صُمِّم خصيصا في موقعها الإلكتروني عن هذه القضية الساخنة عنونته بـ «الحرب القادمة»، إذ اعتبر المؤلف في مداخلاته بالمنتدى أن اعتبار إيران تشكل خطرا على الأمن القومي الأميركي هو بمثابة الكذبة الكبرى التي لا ينبغي تصديقها، وأكد أن لا وجود هنالك لأي مسوغ شرعي وقانوني للهجوم على إيران وضربها.

والأهم من ذلك هو تحديد ريتر الأسباب الرئيسية للمواجهة الحامية حاليا بين إيران والولايات المتحدة في كونها ترجع أساسا إلى سعي الأخيرة إلى إحكام هيمنتها على مصادر الطاقة الإيرانية من نفط وغاز طبيعي وما تشكله من حجم لا بأس به من المساهمة في الطاقة العالمية، وذلك بالإضافة إلى إلى هيمنتها المسبقة على النفط العراقي؛ وهو ما يخدم توجهها إلى التغلغل المهيمن على مصادر الطاقة العالمية عبر منافذ الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، والتي ستتيح لها حتما الإمساك بمفاتيح التحكم في النمو والصعود الاقتصادي لقوى عالمية جديدة كالصين والهند مستقبلا، والتي تعتمد هي الأخرى بشكل رئيسي على مصادر الطاقة الإيرانية، وبالإضافة إلى ما يرتبط بأمن الكيان الصهيوني والاستجابة الأميركية الطائشة!

وعلى رغم معارضتنا المطلقة شن هجوم عسكري على إيران وإيماننا التام بحق إيران في امتلاك برنامج نووي سلمي حتى دفاعي، فإننا لا نود ولا نأمل في أن نصحو على يوم يكون لسان حال النظام الإيراني فيه بعد تكسير قرونه النووية المزعومة «أُكِلْتُ يوم أُكِلَ الثوران في العراق وأفغانستان»!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1870 - الجمعة 19 أكتوبر 2007م الموافق 07 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً