طالعتنا صحيفة بريطانية بخبر عن تدريبات تقوم بها الولايات المتّحدة الأميركية للقوات الجوّية لبعض الدول العربيّة الحليفة لها استعدادا لحرب محتملة ضدّ إيران، كما نسبت هذه الصحيفة لبعض المسئولين العرب تبريره لهذه الخطّة بالقول إن إيران تسعى لترسيخ نفسها كقوّة إقليمية عظمى، ما يفرض التعاون مع الولايات المتّحدة الأميركية على المستوى السياسي وتبادل المعلومات والقيام بالتدريبات المشتركة.
إنّنا، أمام ذلك، نتساءل:
ما هي مصلحة هذه الدول العربية في الانخراط في الحرب الأميركية المعلنة ضدّ إيران، في الوقت الذي يعرف الجميع أنّ استقرار المنطقة العربيّة وأمنها لا يُمكن أن يُبنيا على أساس المشروعات الخارجيّة التي لن تصبّ إلا في خدمة الاستراتيجية الأميركية للسيطرة على المنطقة الإسلاميّة، ومنعها من الأخذ بأسباب القوّة، فضلا عن أنّ هذه الحرب لو اندلعت ستدمّر المنطقة وتحرق كلّ أوضاعها الأمنيّة والاقتصاديّة، ما يجعل التحالف مع الخارج، ولاسيّما الأميركي، منطلقا لتخريب علاقات الدول بعضها بعضا؛ ومدخلا إلى تأكيد المشروع الأميركي في المنطقة كلّها.
إنّنا نأمل أن تتحرّك هذه الدول من خلال منطق التعقّل في عدم الاستجابة للخطّة الأميركية في هذا المجال، وفي البحث عن عناصر الثقة العربيّة - الإيرانيّة، ولاسيّما في ظلّ تأكيد إيران المستمر أنّها تعمل لعلاقات صداقة وحسن جوار مع الدول العربيّة، ولتركيز المصالح الاقتصاديّة معها، وأنّ قوّة إيران لن تكون ضدّ محيطها بل هي قوّة دفاعيّة ضدّ أي عدوان للولايات المتّحدة الأميركية.
من جهة أخرى، نجد أنّ الإدارة الأميركية بدأت التركيز على ضرورة مهاجمة مواقع الحرس الثوري الإيراني، بدلا من المواقع النووية؛ لأنّ هذه الإدارة لم تستطع إقناع الرأي العام الأميركي بأنّ إيران تشكّل تهديدا نوويا وشيكا، وترافق ذلك مع تهديد بوش لإيران أنّها ستواجه العقاب الأميركي إذا لم توقف تدخّلها في العراق، علما أنّ الحرس الثوري الإيراني يشكّل رديفا للجيش في إيران، ما يجعل منه قوّة عسكريّة دفاعيّة رسميّة.
والسؤال: لماذا يقتصر الحديث الأميركي والأوروبي ولدى بعض العرب على التدخّل الإيراني في العراق، ولا تُثار مسألة الاحتلال الذي حوّل العراق إلى حالة من الفوضى الأمنيّة والإرهابيّة والسقوط الاقتصادي والهجرة الكبرى للعراقيّين من بلدهم، ما يُمكن أن يمتدّ خطره إلى المنطقة كلّها، ولاسيّما في ظل قرار الكونغرس الأميركي تقسيم العراق الذي قد يتطوّر إلى مشروع تقسيم لأكثر من بلدٍ عربيّ وإسلاميّ، وذلك تنفيذا للمشروع الإسرائيلي والاستكباري في تمزيق المنطقة كلّها؟
إنّ فشل أميركا في العراق وسوء إدارتها لاحتلالها ورفض الشعب العراقي لقوّاتها، ومقاومته لها، يجعلها توزّع اتّهاماتها بالإرهاب على أكثر من صعيد، في الوقت الذي تمثّل صفة الإرهاب عنوانا للجيش الأميركي وللسياسة الأميركيّة.
إنّنا نعتقد أنّ أميركا لن تحصل على أيّ نتائج كبيرة في قصفها لإيران، بل قد يرتدّ الأمر عليها بطريقة عكسيّة؛ لأنّ العنف منها يجتذب العنف من الآخرين ضدّها، وإذا كانت تريد حلاّ لمأزقها في المنطقة، فإنّ إيران أعلنت أنّها ستساعدها بطريقة واحدة، وهي مساعدتها في الانسحاب من العراق.
وفي مشهدٍ آخر، طالبت وزيرة خارجيّة العدوّ العالمين العربي والإسلامي بعدم فرض الشروط عليها وعلى المؤتمر الدولي الذي دعا إليه الرئيس الأميركي، في المطالبة بالسلام، وبالدولة الفلسطينية القابلة للحياة، وفي القضايا المرتبطة بإزالة المستوطنات، وبحقّ العودة، وبقضيّة القدس، والجدار العنصري، بحيث أنّها تطلب من العرب والمسلمين دعم ما يسمّى عمليّة السلام بين الفلسطينيين والكيان الغاصب من دون أن يقدّموا تصوّرهم الاستراتيجي للحلّ الذي يمنع العدوّ من أن يتحوّل إلى قوّة مهيمنة على الشعب الفلسطيني، حتّى بعد قيام الدولة التي لن تكون إلا دولة عرجاء لا جيش لها ولا استقلال في خدماتها الحيويّة وعلاقاتها الدوليّة.
وهذا ما ينبغي للعرب اللاهثين وراء السلام الإسرائيلي أن يعوه؛ لأنّ ذلك اللهاث لن يمنحهم إلا مزيدا من التعب، والسقوط السياسي والاقتصادي والحضاري.
وبهذه المناسبة، لقد كان على العرب والمسلمين - في يوم القدس العالمي - أن يرسموا الخطّة التحريرية للقدس، سواء على مستوى المسجد الأقصى الذي يحاول اليهود أن يجعلوه مكانا لعبادتهم، أو التخطيط لتدميره لإقامة هيكلهم المزعوم، وعلى مستوى مدينة القدس التي يخطّط اليهود لطرد أهلها وتهويدها؛ لتكون عاصمة أبدية للدولة العبريّة، أو على مستوى قضيّة التحرير الكُبرى التي تشكّل القدس رمزا لها، وعلى الشعوب الإسلاميّة أن تبقى في حالة استنفار دائم للدفاع عن القدس وفلسطين، في شعبها ومقدّساتها، ما يجعل يوم القدس يوما للحركة وللخطّة التحريريّة التي تتلاقى عليها الشعوب العربيّة والإسلاميّة، لتصنع قوّتها وتؤكّد عزّتها، بما يحقّق لها مستقبلها الحضاريّ بين الأمم.
أمّا لبنان، فإنّه يواجه تحدّيات وجوديّة، تتّصل بمصيره كدولةٍ منفتحة على التنوّع الإنساني؛ لإثبات عدم جدارة صيغته في العيش المشترك، أو من حيث أنّه سيوضع على المشرحة الأميركية نفسها التي أدخلت العراق لائحة التقسيم العرقي والطائفي والمذهبي والفتنة المتحرّكة في أكثر من موقع، ولاسيّما أنّ هناك أكثر من شائعة تتحدّث عن التسلّح الحزبي، كما أنّ التعبئة الطائفيّة والمذهبيّة لحساب صعود زعامة هنا وزعامة هناك، تستغلّ الناس الطيّبين في مشاعرهم، لتطعمهم حقدا وعداوة وانغلاقا، لا يبقى معه اللبنانيّ لبنانيّا في انتمائه، بل يعيش عبدا لهذا السيّد الطائفي والمذهبيّ؛ يفرض عليه تعليماته التي تتلخّص في كيف يحارب، وكيف يثير الفتنة، وكيف ينفصل عن مواطنيه، وكيف ينحني للخطوط الخارجيّة التي خطّطت ليبقى لبنان ساحة مفتوحة لمشروعاتها الاستراتيجية، وكيف ينتقل من وصاية إقليمية إلى وصاية دوليّة تفرض عليه قراراتها؛ الأمر الذي تعود فيه عناوين الحرّية والاستقلال مجرّد لافتات إعلانيّة من أجل استخدامها ضدّ هذا الفريق أو ذاك.
إنّ المشكلة في لبنان أنّ الواقع السياسي، في زعاماته وأحزابه، لا يلتفت إلى أنّ هناك شعبا جائعا محروما مدمَّرا في مشاعره وهواجسه ومخاوفه، ولاسيّما أنّ الناس أدمنوا هذه الأصنام البشريّة التي يسجدون لها في طاعتهم العمياء، ويهتفون لها ويصفّقون في مهرجاناتهم الانفعاليّة التي يغيب فيها العقل وتتحرّك فيها الغريزة.
ويبقى لبنان أرضا مفتوحة للفاتحين بطريقة سياسية، وموقعا للمجرمين بوسائل أمنيّة، وحركة للفوضى بذهنيّة انفعاليّة، ويتغذّى الناس بالإعلام المقروء والمسموع والمرئي، بما يُساهم في إرباك العقل والمشاعر، ويبقى السؤال: إلى أين يريد القائمون على شئون لبنان، في الداخل والخارج، أن يأخذوا لبنان، وأيّ لبنانٍ يريدون؟
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1869 - الخميس 18 أكتوبر 2007م الموافق 06 شوال 1428هـ