أثار استيلاء «حماس» على غزة في يونيو/ حزيران الماضي، وانفصالها عن الضفة الغربية أمثلة جادة خطيرة. ما احتمالات التوحيد على المدى القصير؟ هل يمكن تحقيق تقدم سياسي جاد مع «إسرائيل» في غياب تسوية فلسطينية؟ ما عناصر التسوية المستقبلية الناجحة والباقية؟
لا شك في أنه يجب إبقاء الضفة الغربية وغزة وحدة حدودية واحدة لأسباب سياسية واقتصادية وجغرافية سياسية. فـ «حماس» - التي تمثل شريحة انتخابية كبيرة - يجب إشراكها لتصبح جزءا من النظام السياسي. إلا أن احتمالات ذلك في المستقبل القريب ضئيلة. إشراك «حماس» من دون عكس عملية استيلائها على غزة، وقبولها نموذج حل الدولتين وكل الاتفاقات المتعلقة به لن يعمل إلا على إضفاء الشرعية على ذلك الاستيلاء. كما سيؤدي إلى إعادة تجميد المعونة الدولية التي يحتاج إليها الفلسطينيون بشدة وإجهاض احتمالات السلام الحالية.
زد على ذلك، إن الاستيلاء على غزة تم على أيدي عناصر من «حماس» تمثل التيار المتصلب آيديولوجيا، مقارنة بالفئات البراغماتية الوطنية داخل المنظمة. إشراك هذه العناصر سيبررعملية الاستيلاء العنفية التي قاموا بها ويضعف العناصر الأكثر اعتدالا. إلا أنه يجب على الرسائل المُرسلة رسميا وغير الرسمية إلى «حماس» أن تؤكد أن عزلتها الحالية لا تشكل جهدا لتدميرها وإنما هي ستنتهي وفق شروط معينة.
وحيث إن التسوية ليست خيارا قريب الحدوث، يجري حاليا الإعراب عن القلق من أن أي اتفاق يتم التوصل إليه مع «إسرائيل» سيفتقد الشرعية، إذ يستثني أقلية ضخمة من الشعب الفلسطيني. إضافة إلى ذلك، قد تعمل «حماس» على تخريب أي اتفاق من خلال العنف ضد «إسرائيل»؛ ما ينتج منه رد إسرائيلي قاسٍ لا مناص منه.
ومن الأهمية بمكان هنا التمييز بين التوصل إلى اتفاق وتطبيقه. من الممكن جدا للرئيس الفلسطيني محمود عباس التوصل إلى اتفاق مع الإسرائيليين بعد اجتماع الشرق الأوسط في الخريف ومن دون «حماس» إذا تمت مباشرة عملية ذات معنى باتجاه إنشاء الدولة الفلسطينية، بعد إصدار وثيقة مبادئ تضع الخطوط العريضة لاتفاق سلام.
ويجب أن تنطوي العملية نفسها على عناصر تميزها من العمليات السابقة، مثل مشاركة عربية مرحلية ومكافآت للطرفين وعكس الأعمال الإسرائيلية في القدس الشرقية المحتلة وتجميد المستوطنات، تتعدى مجرد الإعلان عنها. كما يجب أن تجري بشكل مترادف عملية موازية من الأمن الداخلي وإصلاح الحكم في السلطة الوطنية التي تسيطر عليها حركة «فتح».
سيعتمد النجاح إلى درجة كبيرة على «إسرائيل». إذا لم يتم تحرّك جاد نحو اتفاق سياسي وإذا استمرت الأعمال الإسرائيلية على الأرض في تقويض احتمالات إنشاء الدولة، فإن أي إنجازات أمنية أو حكمة إدارية أو اقتصادية للسلطة الفلسطينية ستستخدم من قبل «حماس» بشكل محوّر ثمنا تدفعه السلطة الفلسطينية لقاء قبول الاحتلال ودعمه.
إلا أن تطبيق اتفاق السلام يتطلب تسوية فلسطينية. إذا حقق اتفاق كهذا التطلعات الوطنية الفلسطينية ولاقى دعم الدول العربية الرئيسية ومساندتها، وبالذات المملكة العربية السعودية، فمن الصعب تصوّر أن تعارضه «حماس»، مخاطرة بعزل الشعب الفلسطيني. ووجد استطلاع عن طريق الهاتف تم أخيرا في غزة من قِبل مكتب استشارات الشرق الأدنى أن معظم الغزاويين لا يعتبرون حكومة الأمر الواقع التي تفرضها «حماس» شرعية وأنهم يدعمون اتفاق سلام مع «إسرائيل».
وإذا أخذنا في الاعتبار الفروقات الآيديولوجية العميقة بين «حماس» و «فتح»، وحقيقة أن المحاولات السابقة لتحقيق الوحدة الوطنية قد غلّفت هذه الخلافات بغطاء ورقي، رأينا أنه يجب على أية تسوية أن تنطوي على قبول «حماس» بيان منظمة التحرير الفلسطينية وقرار مجلس الأمن التابع إلى الأمم المتحدة رقم (242) ونموذج حل الدولتين. يجب على «حماس» أن تفهم أنه حتى الانتخابات التي أتت بها شرعيا إلى السلطة لا تعطيها الإذن بمحاولة السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية وتفكيك كامل هيكل «الدولة من خلال المفاوضات». ويجب على «فتح» بدورها أن تتخلى عن احتكارها السلطة والمؤسسات الأمنية لدى قبول «حماس» العناصر المذكورة أعلاه.
تحتاج رسالة السلطة الفلسطينية الأساسية - التحرير من خلال المفاوضات - إلى إعادة تأهيل رئيسية جادة من خلال تقدم مهم وأساسي له صدقية نحو صفقة دائمة وإنشاء دولة فلسطينية. إذا تم تحقيق تقدم كهذا فستجد «حماس» نفسها في وضع خاسر لا يمكن الدفاع عنه تطلق فيه حملة ضد الدولة الفلسطينية.
من ناحية أخرى، إذا فشلت الحركة الوطنية العلمانية التي تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية فالمستقبل يبدو قاتما. سنشهد إما تفسخا كاملا لمؤسسة الحكم الفلسطينية وإما استيلاء «حماس» على كامل المجتمع الفلسطيني والنظام السياسي، وستتراجع القضية الوطنية إلى ما كانت عليه في نهاية ستينات القرن الماضي: حركة تكافح من أجل الاعتراف على تخوم النظام العالمي. من الأفضل تجنّب المعاني الضمنية لهذا الأمر بالنسبة إلى «إسرائيل» والعالم العربي والغرب.
* المدير التنفيذي لفريق العمل من أجل فلسطين زميل رئيسي في مؤسسة أميركا الجديدة، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1869 - الخميس 18 أكتوبر 2007م الموافق 06 شوال 1428هـ