لا يوجد شيء في هذا العالم إلا وقد شهد التطور الكبير، وذلك نتيجة المتغيرات العالمية الكبيرة والطفرات الاقتصادية والتكنولوجية والمعرفية، وهذا ينقلنا إلى أن مفهوم الفقر أيضا الذي بدوره شهد تطورا كبيرا ومختلفا عما كان يعرف عليه من قبلُ.
في القديم عرّف الفقهاء الفقير بأنه «الشخص الذي لا يملك قوت عامه» والمسكين «الذي لا يملك قوت يومه»، أما الآن فالمفاهيم تغيّرت والأوضاع تبدلت وأصبح الفقير ليس الجائع، فالحمد لله فلا يوجد في بلدنا من يبيت ليلته من دون عشاء، وهذا أيضا لا يعني أن بلدنا من دون فقراء.
أما اليوم، فقد أصبح الفقر شكلا من أشكال الإقصاء والتهميش ومسا بكرامة الإنسان، ومن ثم فهو انتهاك لحق جوهري من حقوق الإنسان، منها الحق في العمل والدخل المناسب والعيش الكريم والضمان الاجتماعي والصحة والموئل... إلخ. وهي حقوق اقتصادية واجتماعية أساسية، وبالتالي فمن دونها يصبح الإنسان فقيرا ومعدما وغير قادر على مسايرة متطلبات المعيشة.
للفقر أسباب كثيرة في مختلف المجتمعات ومن أهم هذه الأسباب، طبيعة النظام السياسي والاقتصادي السائد في بلد ما. فالنظام الجائر لا يشعر فيه المواطن بالأمن والاطمئنان إلى عدالة تحميه من الظلم والعسف. ويستفحل الأمر إذا تضاعف العامل السياسي بعامل اقتصادي يتمثل في انفراد البعض بالثروة بالطرق غير المشروعة نتيجة استشراء الفساد والمحسوبية، فيتعاضد الاستبداد السياسي بالاستبداد الاقتصادي والاجتماعي، وهي من الحالات التي تتسبب باتساع رقعة الفقر حتى عندما يكون البلد زاخرا بالثروات.
في البحرين نجد أن الفقر كما قالت وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي «نسبيا يختلف عن الفقر الموجود في البلدان الفقيرة» كبنغلاديش وغيرها من التي يصل فيها دخل الفرد الواحد إلى أقل من دولارين في اليوم الواحد في بلد يعيش أزمة سكانية وقلة موارد طبيعية، وطبعا فهذا الموضوع مختلف جدا عما هو موجود في مملكتنا ففقرنا يختلف عن فقر تلك البلدان.
الفقر في البحرين مرتبط بشكل أساسي بالوظائف وتدني الأجور وارتفاع الأسعار، إذا ما قورن بارتفاع سعر برميل النفط الذي تجاوز 80 دولارا ولم ينعكس ذلك على أوضاع المواطنين، فكل شيء في هذا البلد ارتفعت قيمته عند الإنسان الذي بقي على حاله منذ أكثر من ثلاثين عاما.
دول الخليج المجاورة ابتكرت وسائل حمائية لمواطنيها لمواجهة الغلاء، مستفيدة من الطفرة النفطية الثالثة التي تشهدها المنطقة، إلا أن مملكتنا لم تواكب ذلك التطور ولم تستفد من العوائد المالية الكبيرة التي جنتها خلال السنوات الثلاث الماضية لتحسين أوضاع المواطنين، بل استمرت في سياسة التوزيع غير العادل للثروات؛ ما زاد من رقعة الفقراء وقلص الطبقة الوسطى في المجتمع.
صحيح أن الفقر في البحرين نسبي؛ وذلك لأن الفقر في العالم يكون في البلدان الفقيرة، وليس في البلدان الغنية التي تمتلك ثروات هائلة، وفي البحرين الغنية بنفطها إلا أن شعبها مازال فقيرا.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 1868 - الأربعاء 17 أكتوبر 2007م الموافق 05 شوال 1428هـ