إذا ما اتُّفِقَ بين جوقة السياسيين على أن هناك حسنة يجبُ أن تُذكر لهادم الامبراطورية السوفياتية بوريس يلتسين فإنها بالتأكيد ستكون استِخْلافه جاسوس الـ «كي جي بي» في ألمانيا ونائب عمدة بطرسبورغ فلاديمير بوتين.
روسيا الاتحادية - وهي الوريث الحقيقي والكاريزمي للاتحاد السوفياتي السابق - استطاعت أن تحافظ على جزء مهم من جغرافيتها لتبقى أكبر بلدان العالم مساحة مُتشكّلة من نظام سياسي يحوي أربع وثمانين وحدة إدارية فيدرالية، وربما لا يُوجد أحد من الروس من لا يعتقد بأن بلاده لم تتحوّل أيام حكم يلتسين إلى مواخير للفساد، ومرتعا للمافيات السياسية، وقيمة دولية مُهملة؛ لذلك فإن مشروع إعادة تأهيل البلد بشكل مزدوج - بحسب رأيهم - لم يكن مهمّة سهلة لأي من أحزاب اليمين الغارق في الدولار الأميركي أو اليسار الحالم بالشعارات الحمراء؛ وإذا ما عُرفت أوضاع روسيا اليوم في المسار الاقتصادي وتسجيلها نموا يزيد على 6.7 في المئة (أكثر من تريليون دولار) وأوضاعها في المسار السياسي عبر تنحية ميخائيل فرادكوف من رئاسة الوزراء وتعيين فيكتور زوبكوف وإبعاد الموالين للغرب كوزير الاقتصاد غيرمان غريف تمهيدا لصعود إيفانوف إلى رئاسة البلاد بهدف ضمان عودة بوتين مستقبلا إلى السلطة، وأيضا أوضاعها على المستوى الإقليمي عبر تأديب حلفاء الغرب في محيطها القريب كأوكرانيا من خلال حبس الغاز عنها وجورجيا عبر تعظيم الدعم لأبخازيا وأوسييتيا، وفي المسار الدولي عبر مناكفة الولايات المتحدة في مشروعاتها الاستراتيجية كالدرع الصاروخي المضاد، وإذا ما عُرِف كل ذلك النشاط الروسي على المستويين الداخلي والخارجي يجب أن يُسأل: من قاد روسيا الاتحادية ما بعد يلتسين؟
لأن الإجابة عن هذا السؤال ستكون المدخل لفهم التحول العمودي للسلطة الروسية وانعطافاتها حتى مؤامراتها، وربما يأتي الوقت الذي يُكشف فيه أن حال بوريس يلتسين على يد فلاديمير بوتين لم يكن أفضل من حال نيكيتا خروتشوف على يد ليونيد بريجينيف.
قبل أيام أثارت وسائل إعلام غربية أنباء استخباراتية عن خطة اغتيال الرئيس بوتين يتمّ الإعداد لها في طهران عبر مجموعة من الانتحاريين، وعندما سُئِل بوتين عن تلك الأنباء قال: «إذا كنا سنتأثر بالتهديدات ونصائح أجهزة الأمن، فلن نخرج من بيوتنا».
ربما أراد بوتين من تصريحه ذاك وإصراره على زيارة إيران إيصال مجموعة من الرسائل، أولها أن موسكو قد تكون الأقدر على إيجاد تسوية لأنداد الغرب في الشرق، وإشارة إلى حُرمة أي ضربة عسكرية مُحتملة قد تعدّ لها واشنطن لمواقع داخل الأراضي الإيرانية، وأيضا الإصرار على المُضي قُدما في بقاء روسيا المُزوّد الرئيسي لسلاح القوة الإيرانية، وتثبيت جداول التسليم الفعلية لمحطة بوشهر النووية، وربما إعادة إنتاج للحلفاء الاستراتيجيين والمؤقتين وتشييد جدران للصد في قِبال المشروعات الغربية في المنطقة.
بوتين قد لا يُشكّل صمام أمان دائما للإيرانيين بسبب براغماتيه الفاقعة، ولكنه بالتأكيد يُمثّل ذلك الأمان بالنسبة إلى الكثير من الروس الذين قرّر الآلاف منهم وشم أكتافهم بصورة مُنقّطة لوجه بوتين؛ لأن ذلك - بحسب قول أحد المواطنين الروس - يُشعرهم بالأمان.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 1868 - الأربعاء 17 أكتوبر 2007م الموافق 05 شوال 1428هـ