لقد احتلت ظاهرة الفقر مكانة بارزة داخل البحث العلمي وكانت غالبية اهتمامات الباحثين تنصب على معرفة المشاكل المترتبة أو الناتجة عن ظاهرة الفقر مثل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتعليمية والصحية وتأثيرها على المجتمع ومحاولة إيجاد حلول لهذه الظاهرة، والفقر ليس ظاهرة تجارب في جيل واحد وإنما هي ظاهرة عميقة الجذور في كل مجتمع.
وقد أقر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948 أن الفقر قضية من قضايا حقوق الإنسان، وأعادت تأكيد هذا الرأي في مناسبات عدة مختلف هيئات الأمم المتحدة، ومنها الجمعية العامة ولجنة حقوق الإنسان. وعلى رغم أن مصطلح الفقر لم يرد صراحة في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن الفقر واحد من الموضوعات المتكررة في العهد.
والفقر، هو من أكثر المفاهيم التي عُرّفت من أوجه مختلفة ومتعددة؛ وأكثرها شيوعا هو: «أنه الحالة الاقتصادية التي يفتقد فيها الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم وكل ما يُعد من الاحتياجات الضرورية لتأمين مستوى لائق في الحياة».
وعلى المستوى العام، كثيرا ما يكون الفقر ناتجا عن المستوى المنخفض للتنمية الاقتصادية أو للبطالة المنتشرة، والأفراد الذين لا يملكون القدرة الأقل من المتوسطة للحصول على دخل -لأي سبب كان- غالبا ما يكونون فقراء.
وكثيرا مَّا كان الفقر يعرَّف في الماضي القريب بعدم كفاية الدخل لشراء الحد الأدنى من السلع والخدمات، واليوم يُفهم هذا المصطلح عادة بصورة أوسع على أنه يعني عدم توافر القدرات الأساسية للعيش الكريم، ويسلم هذا التعريف بالسمات الأوسع للفقر، مثل الجوع، وتدني مستوى التعليم، والتمييز، والضعف، والاستبعاد الاجتماعي. إن مفهوم الفقر هذا يتماشى مع الكثير من أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وفي ضوء الشِّرْعة الدولية لحقوق الإنسان، يمكن تعريف الفقر بأنه وضع إنساني قوامه الحرمان المستمر أو المزمن من الموارد، والإمكانات، والخيارات، والأمن، والقدرة على التمتع بمستوى معيشي لائق وكذلك من الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأخرى.
وعادة ما يعرف الفقر بأنه عدم كفاية الدخل ولكن الفقر يعرف في أشكال وصور تتجاوز عدم كفاية الدخل، وكما ورد في باب محاربة الفقر في تقرير التنمية 2000/2001م يتمثل الفقر الى حد كبير في انعدام الفرص بسبب عدم كفاية التعليم والتغذية، وضعف الحالة الصحية، وقصور التدريب أو بسبب عدم القدرة على العثور على عمل يجزي القدرات الموجودة لدى الشخص الجزاء الأوفى. كما أن الفقر يتمثل ايضا في الضعف (بسبب عدم كفاية الأصول) أمام الصدمات الاقتصادية المفاجئة الواسعة المدى، أو حتى الصدمات الفردية كأن يفقد العامل البسيط قدرته على كسب قوت يومه، كذلك؛ يعتبر الفقر انعدام القدرة على تغيير القوى الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على استمرار حالة الضعف أمام الصدمات.
وليس أدل على ما يحتله الفقر من أهمية لدى الإنسان من صدور موسوعة متخصصة في قضايا « الفقر»، وتحمل عنوان: «موسوعة الفقر في العالم» (ENCYCLOPIDIA OF WORLD POVERTY)، صدرت الموسوعة كما يعرضها مصطفى حداد في مدونته على الإنترنت (
الفقر كما تتصوره الموسوعة، وينقله عنها مصطفى حداد أوسع بكثير من مجرد انعدام الدخل أو تواضعه. تصور الفقر في الموسوعة مشتق من الفهم الذي طوره الاقتصادي والفيلسوف أمارتيا صن، أي ذلك التصور الذي لا يرى في انعدام الدخل أو تواضعه سوى عامل من عوامل الفقر، على أهميته. ويعرف العالم التركي محمد أوديكون (Mehmet Odekon) الذي أشرف على تحريرالموسوعة وتنسيق أعمالها، وهو باحث يعمل في شعبة الاقتصاد في كلية سكيدمور بنيويورك منذ العام 1982، الفقر بأنه «الحرمان من القدرات والحقوق والحريات الأساسية التي تسمح للأفراد القيام بالاختيارات الضرورية وتمكنهم من استغلال الفرص التي يحتاجون إليها لكي يحيوا الحياة التي يرغبون فيها. حقا، إن الدخل يعد ركيزة أساسية تقوم عليها الحياة، لكن الدخل بمفرده ليس كافيا، فإذا لم يكن موصولا بالحريات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فإنه لا يكفي لكي يكون حافزا لإذكاء القدرات الفردية.
بهذا المعنى لا يكون الدخل غاية في حد ذاته، بل وسيلة لكي يتمكن الفرد من الحياة حياة محصنة من الأمراض، ولكي يحصل على رصيده من التربية، ولكي يشارك مشاركة فعالة في الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية حيث يعيش».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1868 - الأربعاء 17 أكتوبر 2007م الموافق 05 شوال 1428هـ