في مصادفة غير متوقعة التقيت أحد الأصدقاء من الذين هاجروا للعيش في بلاد النرويج واستوطنوا وعملوا بها! وهو من عائلة من أصل لبناني إيراني! غريبة هذه الخلطة! وبتبادل الحديث اكتشفت روعة تلك البلاد في معاملة شعبها من حيث (Rights Human) في حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.
فهي تعتبر أغنى بلد في العالم بعد اكتشاف النفط بها بغزارة وتعداد سكانها أربعة ملايين ولا يوجد بها فقير بتاتا. كيف ذلك؟ يقول صديقي: «تقوم الدولة بدفع راتب وإعطاء سكن لكل عاطل عن العمل مع تأمين الدراسة له ولعائلته، علاوة على تقديم أحسن الخدمات الصحية إليهم».
ويضيف في جانب ظريف جدا أسعدني على أني حاولت كبح جماح ضحكة كانت تختبئ بداخلي ليس لغرابة الموقف بل ربما لحلاوته أو عدم قدرتي على استيعابه، وهو أن «الدولة تقوم بدعم تذاكر السفر ونفقات الإقامة للراغبين في الراحة والاستجمام وتعطيهم بشكل رمزي مثل مئة دولار من النرويج إلى أي مكان، مضافا إليها مصروف خاص للنفقات الجانبية» (آخر دلع)، واللهِ والسؤال لماذا كل ذلك؟ ليأتي الجواب الجميل: «كي تحمي شعبها من الإصابة بالاكتئاب بسبب برودة الطقس الشديدة شتاء؛ لأن عدم وجود الشمس قد يتسبب بالكآبة للكثيرين ومن ثم قد يتطور المرض النفسي إلى مرض عضوي؛ ما سيكلف البلاد الآلاف من اليورو (والجنيهات) في العلاج بعدها؛ ولذلك تفضل الدولة الصرف على الرفاهية لشعبها وهي متمسكة بالمثل (الوقاية خير من العلاج) أو (مثقال وقاية خير من قنطار علاج)، وإذ تزحم المستشفيات ولا مكان كافيا لهم بذلك ترحلهم إلى بلاد أخرى ليعودوا سعداء».
انظروا مستوى الرقي في التفكير والاهتمام! يا سلام وأنا أقارن محبة الدولة لشعبها في البرد بمحبة دولتنا لنا أيام الحر المميت وهي لا تتمتع إلا بقطع الكهرباء؛ كي تتخلص من المرضى والمساكين وتخفف من عدد السكان! عوضا عن دعم الكهرباء وإعطائها بالمجان للفقراء والمعوزين! ولعدم امكانهم السفر للهروب من الحر، فالنرويج ليست أغنى من البحرين كثيرا وخصوصا عندما ارتفع سعر النفط عشرات المرات.
كيف يعامل الشعبان وهما من خلق الله العزيز! وبالروح والجسم نفسيهما! وهما أيضا دولة ملكية ولكن الدولة هي التي تتحكم في الموارد ولا توجد تجاوزات للكبار! أو وساطات أو بيع فيزا لناس وناس أو إعطاء المشروعات والعطاءات للمقربين وزيادة الثروة عند أصحاب الكروش... إلخ. هناك يحاسب كل مسئول عن كل قرش يصرفه أو الأمانة التي في عهدته فالرقابة صارمة وسؤال «من أين لك هذا؟» يقف بالمرصاد للجميع. فنحن نسمع كثيرا عن سرقات واختلاسات في الدول هناك ثم يسود الصمت ويختفي المتهمون من دون سؤال أو استجواب أو عقاب! أو ربما يتغيرون بآخرين جدد ولهم المواصفات نفسها وبذا تضيع أموال الأبرياء ويسود الفقر في البلاد الغنية!
لمَ يتم تعديل الشوارع الرئيسية فقط؟ ولماذا لا يتم تعديل القرى من شوارعَ وإنارة وبيوت حديثة نموذجية، ومرافقَ آدمية؟ مازالت شعوبنا تعيش تحت خط الفقر! في معاناة يومية وكفاح لسد الرمق، والحصول على الحد الأدنى من التعليم والعلاج والتشرد في الطرقات لتغسيل السيارات وبيع الفاكهة المحلية من الكنار والليمون والصبار في الطرقات! أو تنظيف السمك في السوق، ومن دون عمل يتناسب مع ثروة البلاد الوفيرة. من سيحمي هؤلاء من التسكع وعدم التمتع بخيرات بلادهم؟ نحن لا نريد أن نحلم بتذاكر سفر «مدعومة خوفا من الاكتئاب» في الصيف الحارق، فمازالت طلباتنا متواضعة ولا تتعدى العيش الكريم، أما الكآبة فنحن حريصون على التخلص منها إذا ما تكرمت وزارة «الكهرباء» ولم تقطع المياه والكهرباء للحصول على اقل القليل من حاجات الإنسان الأساسية! إن شعوبنا مظلومة جدا وكل ذنبها أنها ولدت في بلاد لا تقدر الإنسان ثروة ولا تعرف ما هي العدالة أو معناها!
إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"العدد 1868 - الأربعاء 17 أكتوبر 2007م الموافق 05 شوال 1428هـ