العدد 1868 - الأربعاء 17 أكتوبر 2007م الموافق 05 شوال 1428هـ

إدارة بوش والملفات الخمسة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أمام إدارة الرئيس جورج بوش خمسة ملفات ساخنة في دائرة «الشرق الأوسط الكبير». الملفات ليست جديدة، ولكنها طرحت على طاولة البحث دفعة واحدة في وقت تبدو فيه واشنطن غير قادرة على التعامل معها بموضوعية وعقلانية.

الإدارة في سباق مع الزمن بينما الملفات المطروحة شائكة ومعقدة ومتداخلة. هناك أوّلا ملف دول بحر قزوين الذي تجددت أزمته بعد هدوء دام ست سنوات. وهناك ثانيا ملف إيران ومشروع التخصيب النووي. وهناك ثالثا ملف احتلال العراق وأفغانستان والسياسة المتبعة في البلدين. وهناك رابعا ملف تركيا ومسألة الأقليات وخطورة التلاعب بمشكلاتها. وهناك خامسا ملف فلسطين وموضوع الدعوة إلى عقد «مؤتمر دولي» في الشهر المقبل.

الملفات الخمسة ساخنة وهي متداخلة في إطار جغرافيا «الشرق الأوسط» وليست بعيدة عن ملفات أخرى ممتدة من لبنان إلى السودان والصومال ودول الخليج. وتكاثر الملفات يزيد من تعقيدات السياسة الأميركية ويرفع نسبة ارتباكها ويدفع بها إلى اختيار أسلوب المفاضلة حتى لا تقع الإدارة في حال من الفوضى.

تكاثر الملفات تتحمّل الإدارة الأميركية مسئوليته؛ لأنّ واشنطن اتبعت سلوك الطرف القوي والقادر على حل مشكلات مزمنة ومعقدة من دون مساعدة دولية أو حتى القبول بالتعاون مع دول أخرى لها مصلحة في التدخل أو المشاركة أو الاستفادة.

إتباع الولايات المتحدة تكتيك الانفراد بالملفات فتح أمامها مجموعة مشكلات كان بالإمكان تجنب إثارتها أو تأجيلها إلى فترات لاحقة حتى تكون توصلت إلى تبريد نقاط ساخنة والتفرغ إلى حل نقاط تحتاج إلى معالجات سريعة. ما حصل زاد من ثقل المشكلات وبات هناك صعوبات إضافية أخذت تعطل حركة الإدارة الأميركية وتمنع عنها إمكان التركيز على مشكلة قبل الانتقال إلى أخرى.

في العام 2006 كانت الإدارة الأميركية تواجه ملفات إيران والعراق ولبنان وفلسطين وأحيانا السودان. الآنََ وبعد سنة على العدوان على لبنان أخذت تواجه مشكلات إضافية وأكثر خطورة حين طرحت فكرة نشر «الدرع الصاروخي» في أوروبا الشرقية وأخذت تتحدى روسيا وتستفزها وأحيانا تستخف بقواها ونفوذها ودورها ومصالحها.

مشكلة «الدرع» أثارت موسكو ودفعت قيادتها إلى الرد والتصعيد ومد الخطوط مع حلفاء الكرملين والعمل على بناء جبهة دولية معارضة للتوجهات الأميركية.

إلى مسألة «الدرع» تورطت الإدارة في فتح مشكلة مع تركيا التي تعتبر أقوى حليف عسكري في قوات الأطلسي (الناتو) وأخذت تدفع بالعلاقات مع أنقرة إلى حد الانهيار في وقت تبدو المواجهة مع إيران ذاهبة نحو مزيد من التأزم.

إلى موضوع ملف الأقليات في تركيا (الأرمن والأكراد) ظهر مجددا ملف قزوين وما يحتويه البحر من ثروات طبيعية هائلة (نفط وغاز) تفتح شهيه الشركات العاملة في قطاع الطاقة.

الآن وقبل نهاية العام 2007 أخذت واشنطن تواجه أزمات إضافية تزيد من صعوبات إدارة مثقلة بالملفات الساخنة.وبدلا من تقليل عدد المشكلات أقدمت واشنطن على توسيع جبهة الخصوم حين بالغت في قوّتها واستخفت بمصالح القوى الدولية الأخرى. فهي الآنَ أصبحت تواجه نقمة روسية لها تأثيرها المركزي في تعديل موازين القوى الدبلوماسية والسياسية والعسكرية في محيطها الجغرافي (أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى). كذلك بدأت تواجه حالة من الارتياب التركي من سلوكها الاستفزازي في تعاطيها مع ملف الأقليات وموقع هذه الدولة التقليدي والجغرافي في العراق ودائرة «الشرق الأوسط».

الملفات الساخنة التي تواجه واشنطن ازداد عددها في السنة الجارية حين أضافت إليها موضوع «الدرع» في أوروبا ومسألة «الأقليات» في تركيا والصراع على النفط في بحر قزوين. وكلّ هذه الملفات الإضافية تبدو حامية ومتشعبة وعابرة للحدود (الأقليات ودول حوض قزوين) أو للقارات (شبكات الصواريخ المضادة للصواريخ). وهذا التراكم الكمي للازمات سيرفع من نوعية ضعف إدارة بوش ويثقل قدرتها على التحرك لتفكيك الحلقات وعزل تأثيراتها المتبادلة على السلسلة.

توسيع جبهة الخصوم

كل ملف يؤثر نسبيا على الآخر. ملف «الدرع» دفع موسكو إلى تحسين علاقاتها مع دول آسيا الوسطى وشجّعها على تطوير منهج التفاهم مع دول قزوين الخمس. وملف «الأقليات» زعزع ثقة أنقرة ودفع تركيا إلى تصعيد لهجتها النقدية للسياسة الأميركية في العراق والمنطقة. وملف حوض قزوين ساهم في تطوير درجة التعاون بين دول البحر وجعلها تتفاهم للمرة الأولى على برنامج عمل موحّد ومواقف سياسية مشتركة أكّدت حق طهران في التخصيب النووي السلمي ورفضت فكرة الحرب التي يمكن أنْ تشنّها الولايات المتحدة على إيران.

التقارب الذي بدأت معالمه ترتسم بين الدول الواقعة على خط «قوس الأزمات» من أفغانستان إلى البلقان (مشكلة إقليم كوسوفو)، يشير إلى احتمال ظهور تكتل سياسي (إقليمي/ دولي) يعاند التدخلات الأميركية وأسلوبها الفوقي في التعامل مع القوى ومصالحها. وفي حال نجح هذا التكتل الجديد في تطوير علاقاته وتأسيسها على برنامج اقتصادي يضمن توازن المصالح فإنّ العقبات التي تواجه المشروع الأميركي التقويضي ستتسع وستزيد من صعوبات الولايات المتحدة في المنطقة.

حتى الآنَ لايزال الملف العراقي يحتل الأولوية في برنامج إدارة بوش. لكن واشنطن تتعامل في الوقت نفسه مع ملفات أخرى تعتبر أقل أهمية في التأثير على موقعها الدولي، ولكنها تؤثر سلبا وإيجابا في لعبة التوازنات. وهذا التداخل في الملفات أربك الإدارة وجعلها غير قادرة على ترتيب جدول أولويات. فإذا كانت الأولوية للملف العراقي لماذا إذا تفتح واشنطن مشكلات مع روسيا (الدرع) وتركيا (الأقليات) تستطيع تجنبها أو تأجيلها؟ وإذا كانت هناك أولوية لتقاسم ثروة بحر قزوين لماذا تتجّه واشنطن إلى توسيع جبهة الخصوم ودفع دول البحر الخمس إلى تأييد إيران في ملفها النووي؟ وإذا كانت هناك أهمية لإعادة فتح الموضوع الفلسطيني (المؤتمر الدولي) لماذا تواصل إدارة بوش استفزاز الدول العربية من خلال تأييدها المطلق لتل أبيب وإهمال أبسط الحقوق الفلسطينية؟

سياسة واشنطن في إضعاف روسيا والضغط على تركيا وعزل إيران وتطويق السلطة الفلسطينية والتهديد بتقسيم العراق لعبت دورها في توسيع شبكة الخصوم وتشجيع القوى المتضررة من هذا السلوك الانفرادي والاستعلائي على التفكير بالتقارب السياسي وربما العمل على تأسيس جبهة مضادة لمنع الولايات المتحدة من استكمال نهجها التقويضي.

لابد أن تكون هناك قراءة موضوعية لتفسير هذا السلوك الأميركي. فهل الإدارة مثلا لم تعد قادرة على الحد من دور مؤسسات التصنيع الحربي في التأثير على قراراتها السياسية؟ وهل أصبحت إدارة بوش أسيرة تلك الهيئات (اللوبيات) التي تنشط في قطاعي الطاقة وأسواق المال ولا تكترث كثيرا لشروط السياسة الدولية وإنما تركز انتباها على الاحتكار والأرباح؟

لابدّ من قراءة لتوضيح الجانب الآخر من الصورة، إذ ليس من المعقول أن تقدم إدارة تواجه مشكلات ميدانية في أفغانستان والعراق على توسيع جبهة الخصوم وإضافة ملفات ساخنة على ملفات لا تقوى أصلا على حلّها منفردة ومن دون مساعدة دولية وتفاهمات إقليمية. فهذا السلوك الذي يعتمد سياسة الانتقال من مشكلة إلى أخرى ويفتح ملفات تصب الزيت على نار الأزمات لا يمكن تفسيره من دون العودة إلى الداخل الأميركي ومحاولة قراءة العوامل التي تدفع الإدارة إلى الاختلاف مع قوى دولية وإقليمية يمكن تجنب استفزازها وربما التفاهم معها على بعض النقاط المشتركة.

إدارة بوش في سباق مع الزمن وعوامل الضعف أخذت تتزايد وتظهر في أكثر من مكان. فهي تدعي أنها تريد معالجة الموضوع الفلسطيني في «المؤتمر الدولي» وهي حتى الآن لم تحدد جدول أعماله ولا أسماء الدول المشاركة فيه. وهي تدعي أنها في صدد وضع خطة لاحتواء الكارثة التي أنتجتها في العراق وتعمل في الآن على تحريك ملف خطير في تركيا والمنطقة. وهي تقول إنها في طور معالجة مأزق أفغانستان وامتداداته إلى باكستان، ولكنها تتورط في مشكلة «درع صواريخ» مع روسيا التي تمتلك الباع الطويل في التأثير على آسيا الوسطى ودول بحر قزوين.

هناك إذا ملفات خمسة مطروحة على طاولة العرض والطلب في «البيت الأبيض»، وكلّها تحتاج إلى غرفة عناية فائقة للمعالجة وهذا كما يبدو غير متوافر لإدارة تعاني من معضلة «العظمة» وتحتاج فعلا إلى غرفة عناية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1868 - الأربعاء 17 أكتوبر 2007م الموافق 05 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً