العدد 1868 - الأربعاء 17 أكتوبر 2007م الموافق 05 شوال 1428هـ

حقوق الانسان

ربما كانت أكثر المفاهيم تعقيدا وحساسية هي تلك المتعلقة بموضوع حقوق الإنسان. إذ أن هناك ترابطا وثيقا بين مفهوم «الحرية» و«الحقوق». فهناك من يفسر «الحرية» على أنها التحرر من كل القيود، وأن الشخص يجب أن لا يخضع لأي ضغط خارجي لإجباره على التصرّف بطريقة معينة.

ويرتبط بهذا المعنى مفهوم «الاختيار». ولكن «الاختيار» له حدود، فلو وضعت أمام الشخص كأسا من اللبن وكأسا فارغا فإن ذلك يختلف فيما لو خيرته بين عدد من أنواع اللبن.

- الحقوق هي أمور مستوجبة للإنسان. وتعريف ما هو مستوجب للإنسان بصورة «طبيعية» هو من أعقد الموضوعات الفلسفية بين مختلف الأيديولوجيات. هناك الفلسفة التي تقول إن للإنسان حقوق «طبيعية» مرتبطة بكونه إنسان، وأن هذه الحقوق غير قابلة للتنازل عنها «INALIENABLE RIGHTS». وهذه الحقوق الطبيعية تسمّى حقوقا أساسية «BASIC RIGHTS». وقد حدد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته الثالثة الحقوق الأساسية بأنها «الحق في الحياة وفي الحرية وفي الأمان الشخصي».

- من الناحية التاريخية، فإن الأفكار الرئيسية في منظومة حقوق الإنسان مثل حرية الكلمة والتعبير عن الرأي، حرية الاجتماع والسواسية، إلخ، تعتبر من تلك المفاهيم التي لا يمكن لأيديولوجية دينية أو غير دينية عدم الاكتراث بها.

- فلو رجعنا إلى عناوين رئيسية في الفكر الإسلامي نراها تتفق مع المبادئ المطروحة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. مثلا: «الناس سواسية كأسنان المشط»، «لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلاّ بالتقوى»، «لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا»، «إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور»، (وهذا تحريم كامل لجميع أنواع التعذيب)، «ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيع»، «لا إكراه في الدين»، الخ.

- إذا الإسلام يشترك مع الطروحات الأخرى في تقرير عدد غير قليل من الحقوق «الأساسية» للإنسان، بل ان الإسلام سبق غيره في اعتبار «كرامة الإنسان» أساسا من أسس الحياة، «ولقد كرّمنا بني آدم».(الإسراء: 70) والكرامة تعتبر حقا أساسيا تقره جميع مواثيق حقوق الإنسان، التي تقول: الإنسان يولد حرا، كريما ومتساويا لأخيه الإنسان بغض النظر عن أي اعتبار آخر، كاللون واللغة وغيرها.

- الحقوق الأساسية يشار إليها بالحقوق «الطبيعية» لارتباطها بالمدرسة القائلة بالقانون الطبيعي. والقانون الطبيعي يعني النظام الذي تتجه له فطرة الإنسان لضمان الحقوق والواجبات الضرورية والمطلوبة لتحقيق الغايات الإنسانية. والقائلون بالقانون الطبيعي يقولون إن الإنسان إذا لم يتعرض لضغوط أو إكراه، فإنه سيتجه لتحقيق كرامته وسعادته.

- مفهوم القانون الطبيعي مفهوم قديم جدا، قبل المسيحية وبعد المسيحية وأشار إليه الإسلام، عند الحديث عن «الفطرة». وعندما ظهر مفكرو النهضة الأوروبية اعتمدوا في كثير من أفكارهم على مفاهيم القانون الطبيعي. والحديث عن الحقوق الطبيعية ينطلق من هذا المعنى. يقول السيد محمد باقر الصدر في أحد افتتاحيات «الأضواء» في الستينات من القرن الماضي، تحت عنوان: «رسالتنا إنسانية عالمية» مفسرا الآية الكريمة: «فأقمّ وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون»، (الروم:30). يقول ما نصه «فالإسلام هو دين الفطرة الإنسانية وهو يتجاوب مع هذه الفطرة، فلا يحرفها ولا ينكرها وإنما يعترف بها. والإسلام هو دين الكرامة البشرية «ولقد كرّمنا بني آدم». ويقول الصدر إن «الإنسان الأوروبي المعاصر» اضطر لرفض المسيحية ليتحرر من النظرة المسيحية التي اتخذت من عالم الطبيعة موقفا سلبيا. ويشير السيد الصدر إلى أن ردة الفعل للإنسان الأوروبي دفعته لإقامة أنظمة فكرية لتصحيح ذلك الاعتقاد المسيحي، ولكنها (أي هذه النظم الفكرية الحديثة) قد همشت الجانب الروحي من الإنسان.

انطلاقا من «الحقوق الأساسية» تنبثق حقوق «تشريعية». وهذه الحقوق المدنية المؤسسة على مفاهيم الحقوق الطبيعية تم تلخيص معظم ما اتفقت عليه دول العالم في «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» العام 1948، وفي «إعلان فيينا العام 1993». والإعلان العالمي يحتوي على 30 مادة، تضمنت بنوده حق كل إنسان دون ما تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو النوع في الحماية القانونية واللجوء للمحاكم العادلة وحرية التنقل واختيار محل إقامته وحقه في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده وحقه في التماس ملجأ في بلدان أخرى خلاصا من الاضطهاد وحقه في حرية الفكر والعقيدة والتمتع بحرية الرأي والتعبير والاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية، وحقه في المشاركة في إدارة شئون بلاده وفي الحياة الثقافية وحقه في الضمان الاجتماعي والعمل بشروط عادلة. وحرم الإعلان العالمي الرق وتجارة الرقيق والاستعباد وحظر إخضاع الأفراد للتعذيب والمعاملة غير الإنسانية والحاطة بالكرامة وحظر الاعتقال أو النفي التعسفي.

- مواد الإعلان العالمي لم تكن مفصلة، ولهذا تم تطوير عدد من الاتفاقات والعهود الدولية وتم عرضها على الدول ومطالبتها بالتوقيع عليها لكي تتمكن أجهزة الأمم المتحدة من محاسبة الدول رسميا حسب ما تتعهد به وتوقع عليه. والمعاهدات المهمة هي: «العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»، «اتفاق منع التعذيب»، «اتفاق منع التمييز ضد المرأة»، «اتفاق حماية الطفل»، «اتفاق منع جميع أشكال التمييز العنصري»، «اتفاق حماية العمال المهاجرين وعوائلهم»، الخ.

- وافقت جميع الدول الإسلامية على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان - 1948 (بحكم عضويتها في الأمم المتحدة) وكذلك فقد وقعت جميع الدول الإسلامية على إعلان فيينا العام 1993، الذي أكد «عالمية حقوق الإنسان» وعلى «حق التنمية» وكل الحقوق المرتبطة بهذا الحق.

- عالمية حقوق الإنسان، مفهوم مهم جدا، فلقد استخلصت البشرية دروسا من الحروب والمعاناة التي ترجع في جذورها لحرمان الإنسان لأخيه الإنسان من بعض الحقوق الأساسية والمدنية. والعالمية تعني أن الحقوق الواردة في الإعلان العالمي والمواثيق الدولية هي حقوق لكل البشر من دون استثناء.

- في العام 1993، وأثناء انعقاد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان في فيينا ثار حوار عميق بشأن موضوع «العالمية والخصوصية». الذين طرحوا مفهوم العالمية بقوة أصروا على عدم إيجاد أي استثناءات لمنع حقوق الإنسان في أي بقعة في العالم. في المقابل كان هناك الذين تصدوا بالقول بأن هناك «خصوصيات» ثقافية تمنع من اعتبار كلّ «حق» موضوع «عالمي». غير أن الحوارات نتجت عن التأكيد على عالمية الحقوق الأساسية والحقوق المدنية المشار إليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

- الا أنه من الصحيح القول بأن الحقوق التشريعية «التفصيلية» والمتفرعة من الحقوق المطروحة في الإعلان العالمي قد تصطدم بركائز ثقافية معينة. وتسمح المعاهدات الدولية بتعريف تلك الخصوصيات إذا وجدت. مثلا، حقوق الطفل فإن الإسلام له خصوصية بشأن موضوع تبني الأطفال. ولذلك فالمواثيق الدولية تسمح باستثناء الدولة الإسلامية العضو في اتفاق حماية الطفل من المواد المتعلقة بالتبني.

- دار أيضا حوار حول حقوق «المجتمع» أوّلا، أو حقوق «الفرد» أولا. وقد طرحت المناقشات أفكارا مستمدة من الثقافات المختلفة بشأن أهمية الحرية الفردية في مقابل أهمية تنمية المجتمع أولا. ونتج عن ذلك الحوار إضافة حق «التنمية» كأحد الحقوق الإنسانية - الاساسية للمجتمعات، ولكن على أن لا تكون التنمية الاقتصادية - الاجتماعية على حساب حقوق الإنسان الفردية.

- اتفق المؤتمر على اعتبار العام 1998، عاما عالميا لحقوق الإنسان للاحتفال بمرور خمسين عاما على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948، ومرور خمسة أعوام على إعلان فيينا. على أن يكون العام 1998 عاما لمراجعة ما تم تحقيقه وما تم الالتزام به. وكان من نتائج مؤتمر فيينا 1993، تشكيل منصب جديد بإسم «المفوض السامي لحقوق الإنسان»، الذي أعطي صلاحيات كثيرة، ولكن لم تخصص للمنصب موازنة موازية لتلك الصلاحيات.

- الكثير من الحكومات خافت كثيرا مما طرح في مؤتمر فيينا 1993. وعلى رغم من التوقيع على إعلان فيينا الهم جدا، فإن الحكومات بدأت تحصن نفسها من خلال القول بأن لها «سيادة على أراضيها»، وأنها لن تسمح لأي طرف عالمي التدخل في شئونها بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان. واستخدمت بعض الدول أمثلة حول «الانتقائية» الأميركية/ الغربية في التعامل مع موضوعات انتهاك حقوق الإنسان. والحقيقة فإنّ الضحية من «الاحتجاجات» الحكومية «والانتقائية» هي حقوق الإنسان ذاتها. ولذلك فإن المنظمات غير الحكومية أصبح دورها أكثر فعالية بالإضافة للبرلمانات الحرة التي لا تخضع للرقابة الحكومية، كلها أصبحت أكثر فعالية في التصدي لموضوع حقوق الإنسان.

- هناك موضوعات حرجة وحقيقية مازالت موضوع نقاش غير محسوم على المستوى العالمي. وهذه الموضوعات لا يمكن معالجتها من خلال غض النظر عنها. فهناك موضوعات تتعلق بحقوق المرأة ومساواتها مع الرجل على جميع الأصعدة (وموضع جواز أو عدم جواز ضرب المرأة وشهادتها أمام المحاكم وحقها في الإرث، كلها موضوعات تتم مناقشتها في هذا الإطار)، وهناك موضوعات تؤثر على مفاهيم ما هو صحيح وما هو خطأ بالنسبة للعلاقات الجنسية المشروعة مقابل غير المشروعة كالمثليين وغيرهم. غير أن النقطة المهمة هنا، أن الداعين لأمر ما لا يستطيعون فرضه على الآخرين على المستوى البعيد إلا إذا أصبح هذا الأمر «عالمي»، بمعنى أن تعتمده الاسرة الدولية.

- هناك الآن عمل دولي حثيث لجمع جميع الإعلانات العالمية وجميع المواثيق والعهود والمعاهدات الدولية في وثيقتين مهمتين وإصدارهما وتضمينها في القانون الدولي وهما: «القانون الدولي لحقوق الإنسان» و«القانون الدولي للتعامل الإنساني» (Humanitarian). وهذان القانونان يوفران قوة قانونية دولية للدفاع عن حقوق الإنسان. وربما انفسح المجال لظهور «المواطن العالمي» «Citizen of the World»، وهو ذلك الإنسان الذي له حقوق معترف بها وله حماية عالمية، والدولة الوطنية لن يكون - بعد ذلك - بإمكانها انتهاك حقوق مواطنيها بحجة حماية سيادتها او استقرارها. وهذا المواطن العالمي تشكلت أخيرا «محكمة الجنايات الدولية» لحمايته، وهي المحكمة التي وقفت ضدها أميركا.

- كثير من الدول التي تخشى من انتشار حقوق الإنسان تسعى حاليا للقول إن لها الحق لمواجهة «الإرهاب». ومفهوم الإرهاب يتم تعميمه على كل شخص معارض سواء كانت معارضته سلمية أم غير ذلك. وتحاول كثير من الدول التركيز على حقها بالرد بقوة على كل شخص يعارضها. غير أن المجال الآن أصبح «عالميا» في الحوار و«عالميا» في الصياغة. وموضوع حقوق الإنسان وتفاصيله لم ينته ولن ينتهي. فهناك حقوق كثيرة تنتظر الاعتراف بها على مستوى دولي وكثير من هذه الحقوق تدخل يوما بعد يوم على الساحة الدولية ويعترف بها. فهناك مثلا «حق المقاومة المدنية السلمية»، والحق في الحصول علي البحث العلمي واستخداماته، والحق في الموئل، الخ.

- عموما، هناك الجيل الأول للحقوق، وهو المتمثل بـ «العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية»، وهناك الجيل الثاني للحقوق المتمثل بـ «العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية»، وهناك الجيل الثالث من الحقوق المتمثل بـ «الحق في التنمية» وكل مايتفرع من ذلك من الحق في البيئة النظيفة والحق في الموئل (السكن والعمران المناسب) والحق في استخدام البحوث العلمية، ومختلف انواع الحقوق التفصيلية الأخرى الداخلة في العنوان العام وهو «الحق في التنمية الذي تم الاتفاق عليه عالميا في العام 1993. وهناك الآن من يطرح بأن الجيل الرابع من الحق يتمثل في «الحق في السعي الى إقامة نظام ديمقراطي تعددي متسامح».

العدد 1868 - الأربعاء 17 أكتوبر 2007م الموافق 05 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً