العدد 1867 - الثلثاء 16 أكتوبر 2007م الموافق 04 شوال 1428هـ

أميركا التي تخسر نفسها

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

هل أهدى الرئيس الأميركي للعراقيين ديمقراطية حقة؟، سنختلف كثيرا في قراءة ما حدث ويحدث في العراق، وسنختلف أكثر في الإقرار ما إذا كانت الديمقراطية التي تأتي من الخارج ديمقراطية حقة أم أنها «محذور» كما قال السفير الأميركي الجديد في البحرين لينضم إلى جوقة من حذروا من ذلك. لكننا سنتفق، ولو على مضض، على أن معادلة الديمقراطية والحكم الصالح لا تقتصر - كما كنا وكان الأميركي يعتقد - في ديمقراطية النظام السياسي فحسب، فثمة شرط آخر، وهو أن يكون المتعاملون مع النظام الديمقراطي/ في النظام الديمقراطي/ داخل النظام الديمقراطي، ديمقراطيين أيضا.

الشيعة في العراق لم يستفيدوا من أوجاعهم التاريخية عبرة واحدة، الذي حدث، هو أنهم أقاموا للثأر مجلسا وحكومة ورئاسة، وكان لـ«القاعدة» أن تظفر بمقام حسن في بلد يجمع العدوين معا، «الأميركيون» أولا، و«الشيعة» ثانيا، صيد وفير، ولا حاجة للمزيد من الغزوات، فالأعداء هنا، على مقربة!

وهكذا، لم يكن الفشل الأميركي فشلا عسكريا أو سياسيا وحسب، كان فشلا مركبا بامتياز، تداعياته طالت الناخب الأميركي والبنية السياسية الأميركية وكان نجاح قاعدة بن لادن الأسطورية وجيشه الضبابي نجاحا مضاعفا. وهكذا أيضا، لم يكن الفشل الشيعي محصورا في مستوى «السياسي» فحسب، بل امتد ليكون فشلا مستوفي الشروط في حدود أعمق التجارب السياسية حماقة ورجعية، فلا عجب أن تعمم اليوم قاعدة جديدة (الشيعة كائنات لا سياسية).

استطاع الرئيس الأميركي أن يحمي حدود إمبراطوريته بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وهي نقطة في صالحه، لكنه مع هذا النجاح، تسبب في ضمور أقوى التيارات السياسية سلطة في الولايات المتحدة (المحافظون الجدد)، وهي السلطة التي أوصلته للبيت الأبيض. لا يمثل مجموع الخسائر الأميركية في العراق (ماديا، بشريا) الشيء الكثير قبال مصالح استراتيجية كبرى قد تحققت بالفعل، لكن الخسائر الاستراتجية الجديدة التي تفاجأ الأميركيون بها جراء أخطاء دبلوماسيتهم، لا تقل خطورة وسلبية أمام تلك النجاحات التي تحققت، الميزان بدأ يختل، والأميركيون كائنات بطيئة سياسيا.

على الصعيد الشيعي، تحول إرث «المظلومية» التاريخي إلى غول مجنون، ولم يشفع كرسي الدولة ولم تشفع السيطرة على غالبية مجلس النواب في أن تنهي سلوك الميليشيات/العصابات، وتفرغ القوم لتحفيز الذاكرة نحو استرجاع شريط العذابات أملا في أن يُرد الصاع لأهله. ها هي الصورة تتجمد، في إطار من إطارات الديمقراطية التي تقتل/ تغتال/ تحرك ميليشياتها العسكرية بلا رحمة. فالمقتول بالأمس، هو اليوم أقسى من القاتل، وأفضع.

فشلت الديمقراطية المفروضة من الخارج، أما بالنسبة لتلك التي تصنع من الداخل (التي ذكرها السفير الأميركي)، فهي لا تزيد عن تراجع من لا يجد تفسيرا حقيقيا لما حدث في العراق. وهذا كل ما في الأمر...!

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1867 - الثلثاء 16 أكتوبر 2007م الموافق 04 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً