أسئلة تتبادر إلى الذهن كلما جاء عيد وانقضى: هل من المفترض أن يفرح الناس في الأعياد؟ وهل يمكن أن يفرح كل الناس حتى لو رغبوا في ذلك؟ وهل مظاهر الفرح التي يصطنعها الأفراد أو الحكومات كافية لإدخال الفرح على نفوس الناس؟
ثم أليس العيد مناسبة حقيقية لإعادة كل فرد النظر في واقعه ومستقبله؟ أوليست مناسبة حقيقية - أيضا - للدول العربية والإسلامية ومن يقود هذه الدول لإعادة النظر في واقع شعوبها وإصلاح هذا الواقع؟
ثم هل حال شعوبنا في خضم هذا الظلام الذي يخيم علينا سيئ كله أم هناك بوادر انفراج هنا وهناك ينبئ بانبلاج فجر قريب يجعل فرحة العيد تتغلغل في نفوسنا بصدق ونشعر بطعمها كما أرادها الإسلام أن تكون؟
كيف يمكن أن يفرح أقوام لم يجدوا أماكنَ مناسبة لأبنائهم في الجامعات فبقي هؤلاء الأبناء إما في بيوت آبائهم يعانون العذاب كل وقت، ويعاني معهم العذاب نفسه كل من يعيش معهم أو يتصل بهم، وإما أنهم تركوا موطنهم إلى بلاد أخرى يبحثون فيها عما فقدوه في بلادهم، فلا هم استراحوا ولا هم أراحوا سواهم؟
كيف يمكن أن يفرح أقوام لا يجدون عملا، ولا يستطيعون الإنفاق على أنفسهم، وقد لا يجدون من ينفق عليهم، وهم - أو بعضهم - يغالبون أنفسهم للاحتفاظ بنزاهتهم أو الانزلاق نحو الهاوية للبحث عن قوت يومهم، وقد يأتي هذا القوت من فعل الحرام، والحرام قد يقود إلى مثله وهكذا يعيش صاحبه في ظلمات بعضها فوق بعض، وإنما دفعه إلى هذا البطالة التي ما كان يجب أن تتفشى في المجتمع بهذه الصورة، وما كان يجب أن تقف الجهات المسئولة منها موقف المتفرج أو شبه المتفرج وفي الأيدي حلول يمكن فعلها لإنهاء هذه المشكلة أو التخفيف منها قدر الإمكان؟
كيف يفرح قوم أنهكهم الغلاء فلا هم استطاعوا التعايش مع رمضان ولا هم استطاعوا الوفاء بمتطلبات العيد ناهيك عن الأشياء الأخرى التي أرهقتهم وأرهقت أسرهم؟
كيف يحقق هؤلاء متطلبات أطفالهم؟ كيف يجيبون عن اسئلتهم: لماذا لا تشترون لنا أشياءَ مثل غيرنا من الأطفال؟ ماذا سيجيبهم آباؤهم وقد عانوا مرارة الحرمان من بعض الأساسيات فكيف بسواها؟
أين وزارة التجارة؟ أين الغرفة التجارية وتجارها؟ هل يكفي إعلان إحدى الفرق التجارية أسباب الغلاء لإشباع الفقراء وسد احتياجاتهم؟ لماذا لا تقدم الوزارة إعانات عاجلة إلى التجار للمساهمة في التخفيف من أسعار المواد الأساسية؟ أين الدعم الذي يتحدثون عنه؟
لماذا لا يكون هناك تفكير جاد في رفع رواتب الموظفين والعاملين في كل القطاعات الأهلية والمتقاعدين وسواهم بغرض مساعدة المواطنين على التعامل مع هذه الأزمة؟
لماذا لا نفعل مثل بعض دول مجلس التعاون التي رفعت رواتب العاملين فيها غير مرة بنسب عالية، كان آخرها رفع رواتب السفراء والعاملين في الخارج 100 في المئة؟
لماذا لا تقوم الجهات المختصة بخفض قيمة البنزين والديزل والكهرباء والماء وأجور النقل وسواها بغية المساهمة في تحسين أوضاع المواطنين؟
أعرف أن البعض سيقول إن هذه الأشياء رخيصة قياسا ببعض الدول المجاورة - وهذا حق - ولكن الحق أيضا أن دخول تلك الدول أكثر من دخول مواطنينا بكثير فهم بالتالي يستطيعون التعايش مع أوضاعهم بصورة تختلف عنا.
باختصار هناك قضايا مهمة تشغل بال المواطنين، وتؤثر على حياتهم وسلوكهم، ولعل العيد الذي عشنا أيامه يكون فرصة لإصلاح تلك الأوضاع؛ كي يشعر كل فرد بالعيد ويعيش الفرح الحقيقي الذي ينبع من داخله.
أوضاع العرب هي الآخرى بحاجة ماسة إلى تغيير حقيقي وسريع؛ كي يشعر العرب بفرحة العيد، ولن يأتي هذا التغيير إلا إذا استطاع العرب أن يكونوا يدا واحدة، يعين بعضهم بعضا، يعرفون عدوهم، ويعرفون كيف يتعاملون معه، يستشعرون أنهم أمة عزيزة منذ جاء الإسلام، وأنهم يجب أن يستمروا كذلك إلى الأبد.
كيف يعيش إخوتنا في العراق؟ هل نتوقع أن يعرفوا للعيد طعما وبلادهم تحت احتلال همجي يقتلهم كل يوم؟ العراقيون لا يعرفون معنى الأمن، فالأميركان يمارسون القتل يوميا على كبارهم وصغارهم، والشركات الأمنية - وما أكثرها - هي الأخرى تمارس الدور نفسه، تقتل المرأة والطفل والشيخ الكبير، وهم آمنون مطمئنون يعرفون أن لا أحد يمكنه محاسبتهم، فأميركا هي التي تعاقدت معهم، وهي التي تحميهم مهما فعلوا، ولا قيمة للعراق وأهله. كيف يشعر العراقيون بالعيد وهم يعيشون في فقر مدقع، لا يكادون يجدون الكهرباء أو الماء أو العلاج؟
أليس من واجب العرب جميعا أن يقفوا معهم ويساعدوهم للخروج مما هم فيه؟ ألم يأمرهم دينهم أن يكونوا كالجسد الواحد؟ أليس العراق جزءا من هذا الجسد؟ وفلسطين مثل العراق، تعيش حال انقسام مدمرة، صنعها الصهاينة والأميركان، وساهم فيها بعض الفلسطينيين، وأغمض بعض العرب أعينهم عما جرى ويجري كأنه لا يعنيهم في شيء.
كل يوم يموت بعض شباب فلسطين، حتى العيد لم يخلُ من إرهاب الصهاينة ووحشيتهم. غزة تعيش تحت حصار رهيب، وتعيش في سجن رهيب، والكل يتفرج وكأن الفلسطينيين ليسوا جزءا من هذه الأمة.
أليس من حق هؤلاء أن يعيشوا العيد ويشعروا بفرحتهم مثل غيرهم؟ أليس من واجب العرب جميعا أن يقفوا معهم ليصلوا إلى مرحلة الفرح الحقيقية عندما يستعيدون وحدتهم ووطنهم ومدينة مسرى نبيهم؟
العيد فرصة حقيقية لنتذكر حقوق المسلمين علينا في كل مكان، هؤلاء الذين يجب أن نعرف أنهم سندنا القوي عندما نحتاج إليهم. علينا ألا نفرط بحبهم لنا. علينا أن نمد أيدينا إليهم وندخل عليهم الفرحة ولا نقيم وزنا لمن يريدنا أن ننفصل عنهم بحجة الإرهاب الواهية أو بحجج أخرى لا قيمة لها.
آمالنا في العيد يجب ألا تتوقف، واليأس يجب ألا يكون له مكان بيننا مهما ادلهمت الخطوب، ومهما كثر الأعداء، فطلب العزة يجب أن يكون له ثمن. الحديث عن الإصلاح كل جوانبه يجب أن يكون جزءا من حياتنا مهما تأخر هذا الإصلاح، وبوادر الخير ظهرت ويجب ألا تتوقف.
المقاومة أصبحت جزءا من ثقافة الأمة مهما حاول البعض التقليل من شأنها، وهذه الثقافة هي التي ستحقق للأمة الانتصار القريب. مقاومة العراقيين تثلج الصدور - على رغم بعض المآسي - ولكن المقاومة الموجهة إلى الأعداء هي التي أخرجت بعضهم وهي التي ستخرج الباقين إلى الأبد.
ومقاومة الفلسطينيين حققت تقدما واضحا في إيصالهم إلى بعض ما يريدون، والمقاومة وحدها هي التي ستحقق المزيد.
وكلنا يعرف ما فعلته مقاومة حزب الله في لبنان، هذه المقاومة التي أوقفت المشروع الصهيوني والأميركي في المنطقة، هذا المشروع الذي كان يهدف إلى القضاء الكلي على أي مقاومة في المنطقة.
ومقاومة الأفغان ستفشل المشروع الأميركي هناك وتثبت للجميع أن الشعوب الرافضة الاحتلال تستطيع تحقيق أهدافها مهما كانت قوة المحتل وشراسته.
من كان يظن أن الأميركان يبذلون جهدهم للتفاوض مع «طالبان» الإرهابية، وترفض «طالبان» هذا العرض مادام المحتلون على أراضيهم؟
بقدر ما نشعر بالآلام من بعض أوضاعنا بقدر ما نشعر بالآمال التي نراها أمامنا ولعل العيد بكل معطياته وأهدافه يكون بداية حقيقية لنعمل على أن تكون الفرصة الحقيقية هي التي نعيشها في كل عيد وكل يوم وإلى الأبد إن شاء الله.
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1866 - الإثنين 15 أكتوبر 2007م الموافق 03 شوال 1428هـ