من يكتب عن همٍّ وطنيٍّ كبير كمشكلة التجنيس لا يحتاج إلى استخدام استعاراتٍ ولا كنايات، أو تلاعبٍ بالألفاظ والكلمات.
التجنيس بهذه الصورة التي نراها شرٌ مطلق، حذّرنا وحذّر كثيرون غيرنا من تبعاته، من قبل أن تبدأ آثار وأعراض المرض بالظهور.
الجمعيات السياسية والقوى والشخصيات الوطنية، أدركت مبكرا الشرور التي يستبطنها التجنيس العشوائي. والكلام عن آثار التجنيس إذا كان في السابق توقعات وتحذيرات، فإنه أصبح واقعا على الأرض، فيما نراه من تطاحنٍ آخذٍ بالتصاعد على فرص العمل وضيق فُسَح العيش وتراجع مستوى الخدمات الصحية والتعليمية والسكنية، حيث برزت ظواهر لم نعدها من قبل، من قبيل نقص الأدوية واختناقات «السلمانية» وتجاوز عدد الطلبة بالصف عن الثلاثين، وهو ما أرجعنا إلى الخمسينيات.
هذه حقائق وليست تخرّصات، يعرفها الجميع حتى المكابرون الذين دأبوا على المناكفة والمماحكات. من هنا فالقضية قضيةٌ بحرينيةٌ عامة، لا تحتاج إلى استخدام كلماتٍ بذيئةٍ أو تورياتٍ جنسية، فالحقّ كل الحق أن من يناقش قضية وطنية بمثل هذه الخطورة لا يحتاج إلاّ إلى الصدق مع النفس والوطن والقرّاء.
ثم إن المسألة واضحةٌ من البداية ولا يجب أن تخضع لتقلب الأمزجة والأهواء. ففي بلدٍ صغيرٍ جدا، محدود الموارد، اعتاد البعض فيه على إرجاع أغلب الإخفاقات في أهداف التنمية إلى معدل الخصوبة المرتفع، وأمكن تخفيض معدل النمو السكاني بنسبة جيدة خلال العقد الأخير، ثم بعد ذلك نُفاجأ بحركة تجنيسٍ نشطةٍ جدا، أضافت للبحرين أكثر من ربع مليون نسمة خلال ثلاثة أعوام، ومع ذلك تجد من يبرّر هذه السياسة الخطرة بدوافع كيدية وطائفية، بعيدا عن مصلحة الوطن العليا ومستقبل أجياله.
مخاطر التجنيس كانت واضحة من البداية، وربما كانت من أكثر المواضيع التي طرقتها الصحافة المحلية، وكانت وماتزال سببا لإثارة قلق الغالبية العظمى من الناس. وهو من الهشاشة بحيث إن من دافع عنه يوما، يمكن أن ينقلب عليه في اليوم التالي، بسبب تحرّش بطفل أو اعتداء على عرض فتى. ومن طالب بتجنيس أفراد الجالية البنغالية لأنهم «إخواننا في الدين»، انقلب عليهم في طرفةِ عينٍ وطالب بترحيل 90 ألفا منهم بعد حادثة قتل فردية، ونسي ما كان يدعو إليه من قبل، فهكذا يفعل «عمى الطوائف والألوان»!
التجنيس بالنسبة إلى البحرين خازوقٌ كبيرٌ، اقتصاديا واجتماعيا، وفي المستقبل سياسيا وأمنيا. وهي كلمةٌ تجنبت شرحها لبشاعتها، ولكنها أدقّ كلمةٍ تعبّر عن نتائج التجنيس. بعض القراء ظنّها كلمة فارسية أو تركية، وبعضهم ذهب إلى استخدامها العامي المبتذل الذي لم يخطر ببال الكاتب قط، إنما استخدمها كما هي واردة حرفيا في قصص التاريخ والأدب، فهي تتكرّر كثيرا في أدب الشاميين والعراقيين لطول خضوعهم لسيطرة الأتراك.
الخازوق آلة تعذيب كانت تستخدم من أسفل الجسم لإيقاع الأذى الجسدي والإذلال النفسي بالسجناء. وقبل ذلك لم تتورّع الكنيسة البابوية عن استخدامها لتطويع المفكّرين ومعارضي سلطتها الكهنوتية، وكانت أحد الأسباب التي قذفت الرعب في قلب جاليليو جالليلي، ودفعته للتراجع أمام المحكمة عن رأيه العلمي بدوران الأرض حول الشمس.
إنه خازوقٌ كبير، آخر أشكاله أن يتحوّل نائبٌ من مشرّع ومراقب، إلى موّزع جوازات و»دلاّل» على جنسية بلاده، مطوّعا في حملة «بحرنة» بقية الجاليات الأجنبية! هل عرفتم معنى الخوازيق؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2273 - الثلثاء 25 نوفمبر 2008م الموافق 26 ذي القعدة 1429هـ