العدد 1866 - الإثنين 15 أكتوبر 2007م الموافق 03 شوال 1428هـ

اكتبوا عن هذا في السودان

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

يُستخدم تعبير الردة عند وصف عملية التحول عن دين ما من قِبَل هؤلاء الذين يمقتون ذلك بشدة، الذين يعتبرون التحوّل شكلا من أشكال الخيانة، للأسرة والمجتمع بل وحتى الأمة والوطن. يوجد وراء هذا الاتهام بالردة فهم بأنّ القناعة الدينية الراسخة والممارسة هما أمران علنيان. وافتراضات الكثير من الناس، في مشارق الأرض ومغاربها بأنّ الدين هو قضية خلاص شخصي وبالتالي لا تتعلق إلا بالله تعالى وبالفرد، لم يجرِ التشارك بها بشكل واسع من قبل معظم الشعوب والثقافات عبر التاريخ.

ينتمي كلٌّ من التعبير والانفعالات الشديدة المتعلقة بالردّة إلى وضع عقلي خاص في الديانات التوحيدية الثلاث، اليهوديّة والمسيحيّة والإسلام.

وقد يبرّر المرء بأنّ التحولات من دين توحيدي إلى آخر يجب ألا يثير العداوات إذ إنّ جميع الأديان التوحيدية تعترف بإله واحد هو إله إبراهيم وتمنع غير ذلك. إلا أن التاريخ يُظهر لنا وبإصرار غير ذلك. بدأ اضطهاد «المرتدين» حال ظهور أكثر من شكل واحد من أشكال التوحيد. كان ليهودي القرن الأول، شاوول من طرطوس، الذي أصبح معروفا بشكل أفضل بالقديس بولص، مهنة عملية ناجحة وهو يتعقب المسيحيين ويلقي بهم في السجون. ولم يتحول عن ذلك إلا بعد تجربته التي أصيب فيها بالعمى قبل أن يتحول إلى المسيحية. وبين القرن الرابع ومنتصف القرن العشرين كان اضطهاد اليهود وقتلهم في مجازر جماعية وتحويلهم القسري عن دينهم حوادث منتظمة عبر أوروبا التي اعتنقت المسيحية. تاريخ العنف هذا، بما فيه الأشكال العدوانية والعسكرية الحالية للارتداد التي تمارسها بعض الجماعات الإسلامية يشكل عاملا رئيسيا للاشمئزاز الشديد من التحول داخل كل من المجتمعات التوحيدية الثلاثة.

إلا أن هناك أمرا جديدا تحت الشمس هو التعاون الذي يحض عليه الدين بين أتباع الديانات التوحيدية. قد يكون السودان اليوم آخر مكان على وجه البسيطة يتوقع فيه المرء أن يرى أشكالا إبداعية من التعاون بين الديانات، وفي الوقت نفسه تصغيرا لمعاداة التحول. إلا أن تعاونا كهذا واضح وظاهر وخصوصا منذ توقيع اتفاق السلام الشامل بين شمال السودان المسلم في غالبيته والجنوب المسيحي إلى حد بعيد. أحد الأمثلة البارزة حملة لتشجيع التثقيف العام بشأن مرض الإيدز/ نقص المناعة الطبيعية، الذي اتخذ بصورة مشتركة من قبل الحكومة والكنائس في شمال السودان. ويشكل هذا تحولا دراميا بالنسبة إلى الحكومة التي أنكرت لسنوات طويلة أن المسلمين السودانيين يعانون من هذا المرض.

ويأتي الضغط لتحقيق هذا التعاون من داخل المجتمع المسلم، داخل السودان وخارجه. وقد أخذ المسلمون السودانيون يرفعون أصواتهم بشكل متزايد بشأن تجاربهم الشخصية في مجال مرض الإيدز، خوفا من اكتساحه للسودان كما هو الحال في دول إفريقية أخرى. كما كسرت دول مثل سورية وغيرها من الدول العربية صمتها بشأن واقع الإيدز بين سكانها.

وقد أمكن تحقيق هذا التعاون الجديد كذلك نتيجة لحقيقة أن بعض المجموعات الكنسية أخذت تعطي أولوية لأعمال المصالحة. المسيحيون في السودان بدأوا يمدون يد التسامح بأسلوب جديد، فيعبرون الحدود بين المسلمين والمسيحيين، وكذلك بين المسيحيين والقبائل الأخرى، بهدف شفاء الجراح التي خلقتها أكثر من ثلاثين سنة من حرب لا تكلُّ ولا تلين.

وقد أوجدت كنائس جنوب السودان معظم البنية الأساسية الهشّة القليلة الموجودة هناك، إذ تُوفِّر العيادات والمدارس وفرق الإعانة في الفيضانات التابعة للكنائس الخدمات لجميع السكان بغض النظر عن دينهم. وتقدِّم المدارس منهاجا علمانيا يركز على القراءة والكتابة واللغة والرياضيات والإلمام بالحاسوب. وفي الكثير من المناطق يفضل حتى الأهالي المتفانين دينيا اختيار هذه المدارس على المدارس الدينية الإسلامية، لأنهم يؤمنون أن المنهاج الحديث يعد بمستقبل أفضل لأطفالهم.

وتعمل في المدارس التابعة للكنيسة هيئة مكونة من مسلمين ومسيحيين. وتدرّس صفوف الدين من خلال حصول الطلبة على دروس في تقاليدهم. الهدف هو التعليم وليس التحويل. وقد تزوجت حديثا مديرة إحدى هذه المدارس التابعة للكنيسة، وهي مسلمة، من مسيحي في القرية نفسها. ولم يتحول أي منهما عن دينه إذ إن الزواج عبر الأديان أصبح شرعيا من قبل حكومة جنوب السودان الجديدة. حتى عندما يُطرح موضوع التحويل فإنه لا يمزق المجتمع المحلي الذي تشكل من أجل التعليم. وإذا أعرب طفل ما عن رغبته في التحول يتم إبلاغ الوالدين ويجري احترام رغبات الطفل في المدرسة.

ليس هؤلاء السودانيون المسيحيون والمسلمون غير مبالين دينيا، كما أنهم ليسوا متدينين نسبيا. معظمهم ملتزم بقوة بتقاليده، إلا أن التزامهم ينتج عنه أشكال من التعاون التي تخفض بل وتهدم جدران الفصل التي أنشأتها الديانات التوحيدية الثلاث ودعمتها. هذه المبادرات التعليمية هي إذا تقليدية وفي الوقت نفسه ابتكارية، بل وحتى ثورية. في مكان مثل السودان، قد يكون هذا الخليط الغريب هو الشيء الوحيد الذي يستطيع أن يجلب الشفاء ويبني المجتمع المحلي ويفتح مستقبلا لشعب رأى حروبا أكثر بكثير مما رأى سلاما.

* أستاذة التوراة والعلوم الدينية العملية بجامعة ديوك، وناشطة في مجال التعليم في العلوم الدينية في جنوب السودان، وقد شاركت منذ فترة طويلة في دراسة الأديان وحوارها، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1866 - الإثنين 15 أكتوبر 2007م الموافق 03 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً