العدد 1865 - الأحد 14 أكتوبر 2007م الموافق 02 شوال 1428هـ

«المؤتمر الدولي» انكشف قبل عقده

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس جولتها السابعة إلى منطقة «الشرق الأوسط» في أقل من سنة. الجولة تعتبرها الوزيرة حاسمة بشأن دعوة الرئيس جورج بوش لعقد «المؤتمر الدولي» في واشنطن الشهر المقبل. ولكن الوزيرة قللت من التوقعات وخفضت من نسبة التفاؤل التي كان منسوبها قد ارتفع فور إطلاق الفكرة.

الفكرة بدأت غير ناضجة حين أطلقها الرئيس بوش. فهو أراد منها أنْ تشكّل ذاك الغطاء الخارجي لتغليف سياسة فاشلة أخذت تظهر نتائجها الميدانية في العراق وأفغانستان وكان عليه أنْ يتهرّب من مسئوليات المراقبة والمتابعة والمحاسبة التي توقع أنْ تصدر عن الكونغرس خلال مناقشة «تقرير سبتمبر» ومدى النجاح الذي حققته «الخطة الأمنية» في بلاد الرافدين.

الفكرة جاءت لكسب الوقت وللايحاء للجمهور بأنّ الإدارة الأميركية واعية ومتنبهة ومسيطرة على ملفات المنطقة الساخنة من إيران (التخصيب النووي) إلى فلسطين. لذلك طرحها الرئيس الأميركي من دون تحديد عناصرها أو برنامجها أو أولويات نقاطها.

بعد الإعلان عن «المؤتمر الدولي» أخذت تظهر الثغرات والاعتراضات من مختلف الجوانب. فالجانب العربي الرسمي تحفظ على «المؤتمر» إذا كان الهدف منه أخذ «صورة تذكارية» وطالب بتوضيح جدول الأعمال وتحديد آليات لتنفيذ ما يتفق عليه. سورية أبلغت تحفظاتها واشترطت أنْ تكون كلّ الملفات موضوعة على طاولة النقاش وألا تقتصر المباحثات على نقاط جزئية تختصر الأزمة أو تختزلها في إطار وتهمل الأطر الأخرى. الجانب الفلسطيني تعاطف مع الدعوة لكنه حذر من أنْ يكون اللقاء مجرد مصافحة علنية تتبعها وعود لا تجد أمامها سوى العقبات والحواجز والموانع. واشترطت السلطة الفلسطينية (محمود عباس) أنْ تتوصل الأطراف المعنية مباشرة بالأزمة إلى تفاهم على «اتفاق إطار» يبرمج النقاط ويحدد آليات تنفيذها.

لبنان أيضا تحفظ على الدعوة إذا كان الهدف منها تأجيل البحث في نقاط الخلاف الحارة والتهرّب من معالجة قضايا متفرعة عن المسألة المركزية ومختلف التداعيات التي نجمت عن الاحتلال واعتداءاته المستمرة على دول الجوار.

كلّ هذه الاعتراضات العملية تركّزت على فكرة مركزية وهي أنّ مشروع التسوية يحتاج إلى قراءة شاملة تتناول مختلف جوانب القضية ولا يكتفي بتناول أجزاء وإهمال أجزاء. فالموضوع الفلسطيني لا يعني فقط السلطة وإنما يتصل بمختللف عناصر التوتر الناجمة أصلا عن الاحتلال وتفرعاته اللبنانية والسورية.

كذلك تشكّل المسألة الفلسطينية مجموعة نقاط تقتضي معالجتها تمهيدا للتسوية والسلام. فهناك مثلا موضوع القدس وأيضا موضوعات المستوطنات والمستوطنين وجدار الفصل العنصري وعودة اللاجئين إلى ديارهم. وكلّ هذه النقاط مترابطة وهي أيضا متصلة بغيرها من موضوعات تشمل احتلال الجولان ومرتفعات شبعا وكفرشوبا والوجود الفلسطيني المؤقت (المخيّمات) في مواطن النزوح واللجوء.

المثير للعجب أنّ بوش حين أطلق دعوته لم يفكّر بكلّ هذه النقاط التي تشكّل مجتمعة ما اجتهد على تسميته بأزمة «الشرق الأوسط» أو الصراع العربي - الإسرائيلي أو الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. فالرئيس الأميركي سارع إلى الدعوة تهرّبا من ضغوط سياسته الفاشلة في العراق وبالتالي تحرّك باتجاه آخر حتى لا يحاسب في المكان الخطأ. وفكرة «المؤتمر الدولي» كانت واحدة من بالونات الاختبار؛ لأنها تشد الأنظار من مكان إلى آخر وتلهي الكونغرس والشارع الأميركي بقنابل دخانية تغطي تلك الآثار السلبية التي نجمت عن استراتيجية هجومية لم تنتج سوى المزيد من الخراب والدمار.

مرور العاصفة

الآنَ بعد مرور العاصفة الإعلامية بدأت تتكشف الحقائق الميدانية وأخذت الإدارة الأميركية تقلل من احتمالات نجاح «المؤتمر الدولي» في التوصّل إلى حلول أو مجرد صيغ شكلية للتسوية. واشنطن مثلا لا تفكّر بدعوة سورية ولبنان إلى الحضور بذريعة أنّ أوراق «المؤتمر» تقتصر على الموضوع الفلسطيني. حتى الموضوع الفلسطيني غير مطروح بأكمله على طاولة الحوار وإنما سيكتفي المجتمعون بمداولة بعض النقاط الهامشية التي لا تحتاج أصلا إلى «مؤتمر دولي» لمناقشتها أو معالجتها.

إذا لماذا «المؤتمر الدولي» وهل هناك ضرورة لعقده؟ المعطيات تشير إلى انتفاء الضرورة ولكن واشنطن بحاجة إليه داخليا لإعطاء صدقية تريدها إدارة دخلت فترة النقاهة بانتظار انتهاء ما تبقى من وقت لعهد الرئيس بوش.

الاعتراضات لم تصدر عن الجانب العربي (السوري والفلسطيني أيضا) فقط، وإنما جاءت أيضا من الجانب الإسرائيلي. فحكومة أيهود أولمرت تبدو غير جاهزة للتفاوض وغير مستعدة لتقديم تنازلات والرد على أسئلة تتعلق بمصير أراضٍ عربية (سورية ولبنانية) محتلّة ومصير موضوعات تم التفاهم عليها سابقا مع الجانب الفلسطيني في أوسلو والقاهرة وشرم الشيخ وواشنطن ولم تنفذ حتى الآنَ.

الطرف الإسرائيلي يعتبر الجهة الممانعة والمخالفة لكلّ القرارات الدولية والتفاهمات الجزئية. وهو الجانب المطالب بالرد على أسئلة بسيطة وجوهرية في الآنَ. فهل تل أبيب مستعدة للتفاوض بهدف التوصّل إلى صيغة واقعية وعقلانية للتسوية والسلام؟ إذا كان الجواب نعم فعلى حكومة أولمرت أنْ توضّح سياستها بشأن القدس والمستوطنات والمستوطنين وجدار الفصل العنصري وعودة الفلسطينيين وإعادة الأراضي المحتلّة لسورية ولبنان. وإذا كان جواب أولمرت يقتصر على التهرّب والتسويف والتمنع والاختباء وراء سياسة أميركية منحازة لتل أبيب فمعنى ذلك أنّ الدولة العبرية تقول لا للتسوية والسلام وتراهن على الوقت لتضييع الحقائق أو تغييبها من الجغرافيا والتاريخ.

المشكلة كانت ولاتزال في «إسرائيل» والاستراتيجية الأميركية الداعمة لها في كلّ الفصول والأوقات. وبما أنّ تل أبيب غير جاهزة ومستعدة للتسوية والسلام؛ فمعنى ذلك أنّ واشنطن ليست في موقع الدولة المسئولة القادرة على جذب الأطراف المعنية إلى «مؤتمر دولي» لحل قضية شائكة لا تفكّر إدارة بوش في معالجتها. الرفض الإسرائيلي لاقيمة سياسية له من دون غطاء أميركي. وبما أنّ إدارة بوش لم تسقط من حساباتها الاستراتيجية خيار الحرب في مختلف مناطق «الشرق الأوسط» فمعنى الأمر أنّ واشنطن غير متحمسة لفكرة هي أصلا غير مقتنعة بها ولا تريد أنْ تبذل الجهد المطلوب عمليا لإنجاحها. والجهد المطلوب هو أنْ تقوم إدارة واشنطن بالضغط على تل أبيب لتلبية دعوات السلم التي صدرت عن الدول العربية مجتمعة في قمتي بيروت والرياض.

أميركا إذا لا تريد السلام الحقيقي والفاعل؛ لأنها موضوعيا تعتبر الطرف القادر على الضغط لجر حليفها الاستراتيجي إلى طاولة المفاوضات والاستجابة لرغبات تصب لمصلحة الولايات المتحدة في الأمدين القريب والبعيد. حتى الآنَ تبدو إدارة بوش ليست قادرة على الخروج من فكرة الحرب أو سياسة فرض الشروط عن طريق القوة العسكرية. والعناد الإسرائيلي ليس أيديولوجيا فحسب وإنما يستمد صلابته من جذور واقعية تستند إلى سياسة أميركية تقليدية ترى القوة وسيلة وحيدة لحماية المصالح وتأمين الاستقرار وضمان أمن «إسرائيل».

هذه الحقيقة الموضوعية تتجنّب رايس قولها في جولتها الحالية أو في زياراتها السابقة. فالكلام عن «مؤتمر دولي» لا فائدة منه إذا كان الطرف الفاعل في المعادلة ليس مدعوّا كذلك الطرف المطلوب منه تقديم التنازلات ليس مستعدا للتجاوب مع متطلبات التفاوض وشروط التسوية ودعوات السلام. المشكلة تبدأ من هذه الحيثيات وفي حال تجنبت واشنطن التعامل معها بحزم وجدية لأسباب انتخابية أو استراتيجية تصبح التوقعات بشأن نجاح «المؤتمر الدولي» ضعيفة. وهذا بالضبط ما قالته رايس قبل أنْ توجّه دعوات الحضور إلى واشنطن.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1865 - الأحد 14 أكتوبر 2007م الموافق 02 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً