احتفلت منظمات التقييس في دول العالم أمس بـ «اليوم العالمي للتقييس»... ويقصد بالتقييس تلك المعايير والضوابط الموثقة التي تتضمن المواصفات الفنية أو غيرها من المعايير الدقيقة اللازم اعتمادها باستمرار، بحسب قواعد علمية، ومبادئ قانونية لضمان سلامة ولياقة المواد والمنتجات والعمليات والخدمات المقدمة للناس. والتقييس يهمنا في كل حياتنا، في مأكلنا ومشربنا وملبسنا وفي كل شيء نستخدمه لتسهيل شئون حياتنا. فعندما يشتري المرء الحليب مثلا، فإن القنينة تحمل تاريخ الصلاحية التي من المفترض أن يأمن المرء على نفسه إذا لم يتجاوز تلك المدة عند استهلاكه للحليب... والسيارة التي نقودها خاضعة لمواصفات معينة، والمنزل الذي نسكن فيه، وشبكة الهواتف النقالة، وبطاقات الائتمان (حجمها وسمكها ونوع المواد المستخدمة في صناعتها) وكل مانحتاجه بشكل يومي خاضع لمقاييس طورتها الخبرة الإنسانية على مر العصور.
وحاليا توجد منظمات للتقييس في أكثر البلدان، وهذه المنظمات تجمعها ثلاث منظمات دولية؛ المنظمة الدولية للتقييس (أيزو)، واللجنة الدولية الكهروتقنية (IEC) والاتحاد الدولي للاتصالات (ITU). وأكثر هذه المنظمات شهرة هي «أيزو» التي تأسست العام 1946 وتمثل هيئات التقييس والمعايير الوطنية في أكثر من 140 بلدا بهدف توحيد القياسات وتوحيد الأنشطة ذات الصلة، بغية تسهيل التبادل الدولي للسلع والخدمات وتطوير التعاون في المجالات الفكرية والعلمية والتكنولوجية والنشاط الاقتصادي. وكلمة «أيزو» مستمدة من اليونانية، ISO ، وتعني «على قدم المساواة»، أو «متساوي القياس».
والمقاييس لاتهم الدول المنتجة للسلع والخدمات فقط، وإنما تهم المجتمعات التي تستهلك أكثر مما تنتج أيضا، مثل مجتمعاتنا. ومن المؤسف اننا نعتبر من أقل المجتمعات اهتماما بالمقاييس، وليست لدينا التوعية الوطنية الكافية لحفظ جودة وسلامة مانستهلكه أو نستخدمه يوميا. ففي أوروبا مثلا توجد هيئة للتقييس تحدد مواصفات مختلف أنواع المنتجات (من لعب الأطفال إلى معدات إنتاج الطاقة أو أكبر من ذلك) التي يمكنها أن تحمل إشارة (CE)، والتي تعني ان المنتج استوفى متطلبات المقاييس الأوروبية. ولو لاحظنا أن كثيرا من المنتجات التي نستخدمها تحمل هذه الإشارة، والمصانع لايمكنها أن تضع هذه الإشارة إلا بعد مرورها بعمليات فحص وتدقيق تؤهلها فنيا لذلك.
وقد تزامن اليوم العالمي للتقييس هذا العام مع حلول عيد الفطر المبارك، وفي شهر رمضان نستهلك الكثير من المأكولات والمشروبات، ولكن هل توقفنا قليلا لنسأل أنفسنا إن كانت تلك المأكولات والمشروبات قد اعتمدت مواصفات مقبولة؟ فقد لاحظنا أن بعض «الحليب السعودي» تنتهي صلاحيته قبل التاريخ المكتوب على القنينة، على رغم أن هذه الشركة أو تلك تعتبر من الشركات الرائدة. وعندما سألت أحد الأشخاص عن السبب، قال إن كثيرا من الحليب يأتي من السعودية، وتاريخ الإنتاج ربما ليس صحيحا إذ يؤخر يوما لفسح المجال لنقله من السعودية إلى البحرين. بمعنى آخر أن تاريخ الإنتاج الحقيقي أقدم من المكتوب، وهذا منافيٍ التقييس.
المشكلة أنه ليست لدينا أجهزة رقابية مقتدرة فنيا لفحص أي من هذا الكلام، كما هو الحال مثلا لدى الأوروبيين الذين يمتلكون المختبرات والمفتشين والعلماء القادرين على تحديد مصدر المشكلة في أية سلعة أو خدمة مطروحة في السوق.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1865 - الأحد 14 أكتوبر 2007م الموافق 02 شوال 1428هـ