يستمر النزاع في الجزء الأوسط من سولاويزي، وهي إحدى أكبر الجزر الإندونيسية الأربع، منذ العام 1998.
بين العامين 1998 و2001 قُتِل ما يزيد على 1000 شخص ونزح أكثر من مئة ألف نتيجة للنزاع. ما فتت جيوب من العنف تثور، وقد فشلت محاولات حل النزاع، حيث أن جذور المشكلة لم يتم التعامل معها لسوء الحظ بشكل صحيح.
وينظر إلى هذا النزاع عبر العالم عموما على أنه يرتكز على الدين ويقع بشكل أولي بين المسلمين والمسيحيين. لذا يصبح الأمر مثيرا للاهتمام في مجال أسباب النزاع الديني، مع وجود دروس محتملة لحالات أخرى حول العالم.
ويشكل النزاع في سولاويزي الوسطى نتيجة لعدد من الحوادث التي وقعت منذ سبعينات القرن الماضي سببها سياسة الحكومة في التهجير عبر البلاد، تم إسكان مسلمين مهاجرين نتيجة لأسباب اقتصادية في المنطقة، الأمر الذي غيّر التركيبة السكانية الدينية وأحدث تنافسا على فرص العمل الشحيحة وعلى الموارد والسلطة السياسية.
ازدادت التوترات بين المجموعات المحلية الأصلية والمهاجرة في ثمانينات القرن الماضي، بين المسلمين والمسيحيين بالدرجة الأولى. وبحلول التسعينات كان المهاجرون يسيطرون على الكثير من قطاعات المجتمع، وشعر المسيحيون المحليون بأنه جرى تهميشهم في الحكومة، مؤكدين أنه جرى حرمانهم من المواقع الاستراتيجية.
قامت الحكومة، ردا على انتشار أعمال العنف بشكل واسع بين العامي 1998 و2007 بالتدخل للمساعدة على حل هذه النزاعات، فيسّرت توقيع اتفاق مالينو في 12 فبراير/شباط 2002، حيث جمعت 24 ممثلا مسيحيا و25 ممثلا مسلما وحثتهم على استخدام تأثيرهم لوقف العنف المستمر. كما قامت الحكومة بإعادة بناء بيوت العبادة التي جرى تدميرها في النزاع وقامت بإخلاء اللاجئين وإعادة إسكانهم وتوفير خدمات إعادة التأهيل الاجتماعي.
إلا أن هذه المحاولات من قبل الحكومة فشلت لسببين رئيسيين، أولهما أن الافتراض كان أن الدين هو جوهر النزاع. وعلى رغم أن النزاع في سولاويزي الوسطى ضم عنصرا دينيا إلا أن سببه كان، وبصورة أكبر، عدم توازن اقتصادي، أصبح فيه المسلمون أكثر ثروة من المسيحيين نتيجة لوصولهم إلى الوظائف الحكومية والموارد والسلطة.
ثانيا، قامت الحكومة المركزية بقيادة جهود حل النزاع بعد أن حكمت على شدته عن بعد، ومن دون أن تفهم بشكل كامل الميزات الفريدة لمضمونه على المستوى المحلي. وتستمر اليوم الهجمات المنظمة والمنتظمة في سولاويزي الوسطى.
هناك حاجة لتغيير أسلوب حل النزاع في إندونيسيا.
لقد حان الوقت لإشراك جميع الأطراف واستخدام خليط من التوجهات من الأسفل إلى الأعلى ومن الأعلى إلى الأسفل. يجب تمكين جميع أصحاب المصالح والاهتمامات سياسيا لحل خلافاتهم العنفية بأسلوب منتج بصورة أفضل، معتمدين بصورة أقل على القوة العسكرية وبصورة أكثر على بناء مجتمع مدني أكثر قوة.
هناك حاجة لأن تُشرك التدخلات الاجتماعية كنشاطات التأثير وإدارة النزاع والحوار والحملات السلمية التي تُجرى عبر وسائل الإعلام وفي المدارس، جميع أطراف المجتمع في عملية بناء السلام.
يستطيع الصحافيون وصغار المسئولين الحكوميين ومجموعات أخرى مماثلة أن يساعدوا على التوسط بين النخبة السياسية وبقية المجتمع. كذلك يتوجب إعطاء المجموعات على مستوى القاعدة تدريبا في حل النزاع وبناء القدرات حتى يكونوا على استعداد لتوقع انفجار العنف والحد منه.
كما يتوجب التعامل مع جذور أسباب العنف. يجب أن توفر الحكومة سبل الوصول إلى الموارد الاقتصادية ومواقع التأثير السياسي في سولاويزي الوسطى التي طالما سيطرت عليها المجموعات المسلمة عبر عقود عديدة مضت. يجب أن تشارك الحكومة كذلك في الحفاظ على نظام قانوني عادل وأن ترفع قدرة تطبيق القانون، إضافة إلى وعي المجتمع بالقانون.
نستطيع، إضافة إلى ذلك، تطبيق عقيدة نلسون مانديللا: «لا يوجد مستقبل لجنوب إفريقيا في غياب الغفران» على عملية التسامح والتسوية في سولاويزي الوسطى. قد تشكل صورة مقتبسة للجنة الحقيقة والتسامح الجنوب إفريقية آلية مناسبة لإدخال عمليات تحقيق رسمية عادلة، مثل الكشف علنا عن المتسببين وإعادة تأهيل الضحية. هذه الممارسات في مجال التسامح معروفة عالميا، وهي معروفة باسم «الصلح» بين العرب أو «المصالحة». وبالنسبة إلى اليهود، تنطوي عملية «تيشوفا» على التعبير عن الأسف والاعتراف بالجريمة المرتكبة، والتي تؤدي في نهاية المطاف إلى التعويض وعودة المياه إلى مجاريها. كذلك ينطوي التسامح في الدين المسيحي على الاعتراف بالخطيئة والتوبة.
التعلم من العناصر التي تؤخر تجربة سولاويزي الوسطى يوفر الإرشاد والإنذار لهؤلاء الذين يعملون على حل النزاع في مناطق أخرى من العالم، والذي قد يبدو للوهلة الأولى أنه يرتكز على أسباب دينية.
* باحث ومنسق سلام في معهد بناء السلام في جاكرتا، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1865 - الأحد 14 أكتوبر 2007م الموافق 02 شوال 1428هـ